الأربعاء“ 24 أبريل 2024 - 10:30 ص - جرينتش

د. الشميري لجريدة 17 يوليو :- المبدعون شتات ولا يوجد من يلملم شتاتهم


جريدة 17 يوليو - العدد ( 152) - حاوره: أحمد غيلان 
14/11/2001 
- قرأت عشرات الكتب وآلاف الصفحات عن الثورة ولكني ـ حتى الآن ـ أجهل تاريخها؟ 
- عندما ينفصل العلم عن العصا، واللسان عن المال، والموهبة عن الفكر السياسي يبدأ الصراع.. 
- الساحة اليمنية تحتاج إلى تحالف ثقافي. 
- يجب تثقيف السياسة وتهذيبها لكي تحتضن صوت المثقف. 
- الأقوياء يمررون القرارات الدولية تحت نعالهم. 
- المبدعون شتات ولا يوجد من يلملم شتاتهم. 


الحراك الذي أوجدتموه في القاهرة بين أنصار الحداثة، وأنصار الشعر العربي الأصيل ـ ألا يمكن التفكير فيه وفي تبني مؤسسة الإبداع لمشروع مماثل في الجمهورية اليمنية؟ 
سؤال صعب حقيقة فالحراك الذي أوجدناه في القاهرة ثقافياً وأدبياً في كل الاتجاهات، مثلاً أشعلنا في القاهرة قضية عولمة الثقافة العربية وكانت من قبل غير معروفة حتى استضفنا كل وسائل الإعلام والصحافة وأوجدنا الانشقاقات الكثيرة بين أوساط المثقفين حول هذه الفكرة." العولمة" وهل لدينا فكرة عربية أو ثقافة عربية يمكن أن نعممها على العالم في ظل العولمة، وقمنا بجمع " من هو مع" و"من هو ضد" وفجرنا هذه القضية الساخنة في الأوساط الثقافية الفكرية الاقتصادية، لكن تفجير المعركة الثانية بين الأصالة والحداثة أنا لا أسميها معركة وتفكير ولكنني أسميها مطاببة لجرح متعفن كان لابد أن ينظف وكان لابد أن تجرى له تعقيمات وكان لابد من تصحيح المسار..لأنني ما وجدت رجلاً أو امرأة ولا وجدت صحفيا ولا طباخا ولا سائقا إلا وهو شاعر. فمن أجل هذا أقول بأنه لابد من المصارحة والوضوح.. طبعاً القاهرة عندما تُفجَّر فيها معركة كهذه يعني أن القاهرة مجتمع غير مجتمع صنعاء... والقاهرة طبيعة الصراع الثقافي فيها غير طبيعة الصراع الثقافي الموجود في اليمن.. اليمن يكاد يكون الناس فيها كأسنان المشط لا يختلفون كثيرا، وإذا اختلفوا في موضوع وفي نقطة معينة فإن اختلافهم لا يؤدي إلى التوتر وتفجير المعركة.. لماذا؟ لأن اليمن تتبع ـ ثقافياً وفكريا تجديداً وأصالة ـ مدارس جذورها ليست في اليمن.. فهم كغيرهم من بقية أقطار الوطن العربي غير مصر غالبا ما يستوقفون الرياح القادمة من أكبر المجتمعات ثقافة وسكاناًً اهتماما وبالتالي ينشقون أحدهم وراء هذا التيار وآخر وراء هذا، وهذا يتبع هذا...الخ، وبهذا يجدون سلوكهم بالتبعية لا بالبدايات والتأصيل أو بشق طريق جديدة .. ولذلك كما رأيت في صنعاء ما عندنا في الأصالة أو ما عندنا في الحداثة هو نفس ما هو موجود في مصر أو موجود في المغرب.. هو نفسه الموجود في كثير من البلدان العربية والغربية، لكن لا توجد مدرسة جديدة..مثلا هل أستطيع أن أفجر في صنعاء الصراع بين الشعر الفصيح والشعر الحميني؟ لا.. لماذا؟ لأنها قضية شائكة جدا وقضية متأصلة، وسوف أكون كمن يزرع في بحر.. فلكل شعب لغته وخصوصيته وشعره، العامي والشعبي، ولذلك أواجه ضغوطا شديدة في منصتي بمنتدى المثقف العربي لكي أسمح للقصيدة العامية أن تصعد المنصة في المنتدى وتلقى... حتى إن بعض الشعراء الذين يعرفهم المجتمع ويملأون السمع والبصر من شعراء العامية: فالإيراني واليمني والشامي والعراقي والشرق أوسطي والنجدى لكل من هؤلاء قصيدة، فهذا نبطي وهذا بربرى وهذا حميني وهذا مغربي، فأنا أقول لهم طبعاً لو سمحنا لهذا فلابد أن نسمح لكل الأوطان العربية أن تقدم لغتها العامية وهي لا تخاطب إلا أبناء المجتمع الخاص بهذه اللغة وبالتالي لن يفهم بعضنا بعضا وسيكون العامل المشترك فقط اللغة العربية الفصحى التي توحد العرب .. لكننا في اليمن قد نستطيع أن ندعو إلى حلف ثقافي مطلوب ويمكن لليمن أن تكون رائدة فعلاً وتسبق غيرها من الأقطار وتستطيع اليمن أن تقدم شيئاً خاصة في ظل هذا الجيل الذي أنا أقرأ له على صفحات الصحافة..والمجلات وأتابع أخبارهم فأرى بأنه جيل متطلع وجرئ جدا في النقل وفي إخراج ما يريد أن يكتب مع جمالية واضحة في أدائه وبالتالي فأنا قد أدعو في اليمن. إذا لم يسبقني سابق إلى وحدة نقدية أو مصطلح نقدي جديد ..ونتفق أيضاً على تحالف ثقافي وفني وبالتالي فسنكون فعلاً قد رفعنا راية ريادة في عالم الثقافة والأدب العربي. 


هذا الجيل الذي تتحدث عنه بقدر ما أتيحت أمامه فرصة الظهور لإخراج ما لديه من إبداعات بقدر ما لهذه الفرص من مخاطر... لأنه يسير أيضاً في فلك التبعية ولا يوجد من يوجهه، لدرجة أن كثيراً من النوافذ الثقافية تقدم ما ليس شعراً على إنه شعر..وما ليس أدبا على أنه أدب وهذا مؤشر خطير ...فما رأيكم ؟ 
لهذا الذي ذكرته أري بأن ساحتي اليمنية محتاجة فعلاً إلى تحالف ثقافي بحيث يستفيد الجديد ممن قبله والصغير ممن هو موجود عند الجيل الثاني ولا يوجد عند الجيل الأول، لهذا فلابد من تحالف ثقافي في اليمن من أجل أن نرتب أوضاعنا الثقافية ولابد من استخلاص قواعد نقدية نتفق عليها.. لأنه إذا اتفقنا عليها فإنها كفيلة بأن تُبصر الناس بالجديد فأرجو أن نتيقظ لهذه الفكرة ويلتقطها المتفردون في الساحة اليمنية، ونحن نمد أيدينا إليهم كي يسبقونا إلى هذه الفكرة ونحن مستعدون إلى أن ننضم إلى قافلتهم ونقدم ما لدينا من أفكار ورؤى حول هذا الموضوع وإلا فالمستقبل الكبير سيجعلنا نواجه هذه النظرية. 


تحدثتم عن تحالف نقدي وثقافي بين من ومن؟ ! وبصيغة أخرى" من سيتحالف مع من " ؟ ! 
الجميل في اليمن أن الموهوبين والمبدعين في جانب من التعارف والتآلف لكنهم في شتات لا يوجد من يلملم شتاتهم ويجمعهم في مؤتمر في ندوة، يطرح عليهم أدبيات .. أفكاراً ورؤى ويقدم فيها أبحاثاً ورؤى واضحة ودراسات ثم يقدم توصيات وبروتوكول متفق عليه.. هذا يجب أن تتبناه مؤسسة قادرة على التمويل لهذا المؤتمر والدعوة إليه، ويفترض أن تبادر إليه المؤسسات القادرة والوجوه المقبولة التي يلبي أصحاب الأقلام دعوتها ...وأيضاً لابد أن تكون مؤثرة ماليا بحيث تستضيف في قاعة المؤتمر تنقلات الناس وخاصة غير القادرين، وأن تكتب ميثاق شرف أدبي ونقدي وسيكون هذا سهلاً جداً لأن الناس هنا لم ينشرخوا بين تيارات متعددة والناس جميعا.. حتى ولو كان في نفوسهم شيء مما في نفوس الآخرين من حب التميز لهذا على ذاك ... ولكن يتملكهم الحياء وحب المصلحة والولاء للثقافة اليمنية وصوت المثقف اليمني ويجب أن تستغل هذه الروح الجميلة لمثقفينا وكتابنا وأن نبادر إلى ميثاق الشرف وألا تضيق صدورنا من قلة معينة تشذ عن هذا الخط ..وفي نفس الوقت ألا نقفل المسار على خط الأصالة أو علّى الحداثة فقط أو على شعر التفعيلة أو الشعر الحر فقط ..لابد أن نفتح صدورنا وآفاقنا ونوسع في أفكارنا النقدية وبالتالي نترك هناك مساحة لكل من يدخل هذا الميثاق، ويضع نفسه في المكان المناسب ويعرض نفسه على سوق عكاظ الذي هو مكتوب بميثاق شرف ويقيمه الناس على أساس هذا الميثاق وهذا ما أرجو أن يكون. 


دعنا نعرج على المشهد السياسي في بلادنا ... فهناك من يقول إننا دخلنا عالم السياسة ـ ربما ـ بلا سياسة... فقد فرضت السياسة نفسها على كل شيء حتى الثقافة ـ حتى الأدب لدرجة أن من يفكر في مشروع ثقافي أو أدبي فإما يفكر فيه بدافع سياسي أو أنه بمجرد أن يصنع الفكرة قد يتهم بأنه يفكر في غرض سياسي أو يواجه بصيغة السياسة ..فما هو المخرج ؟ 
حقيقة أنا اتفق معك جداً ولكني لا أقول بأن هذه الظاهرة موجودة في اليمن فقط فهي موجودة في كل أقطار الوطن العربي ... لماذا ؟؟؟ ما هو العلاج ؟ إذا عرف الداء شخصنا الدواء. 
النشاط الثقافي والأدبي دائماً يفرض من الكيانات السياسية أو الظل الحاكم في أي عصر أو في أي قطر أوفي أية أمة.. وعندما ينفصل القلم عن العصا واللسان عن المال والموهبة عن الفكر السياسي تحصل خصومات وخلافات ومباينات، وبالتالي يبدأ الصراع.. المثقف والمبدع يرى بأنه أقدر على التعايش والإنارة والتنبيه لمسيرة أمته من خلال الكلمة الجميلة والإبداع.. وعلى الأنظمة العربية أن تدرك هذا الكنز الثمين داخل أوطانها ..لأنها كل ما تعلمه أنها "تسود الناس بعدل أو بظلم" وأنها تجني موارد الدولة وأنها تنفق وأنها تقدم خدمات للشعوب، ولكنها تعتبر أن رسالتها الثقافية ليس لها أهمية.. وأن المثقف أصبح يعيش في صحراء لا ماء فيها ولا شجر ولا ظل، لا يملك مالا ولا يملك وسيلة تنقله ..لا يملك أدوات لنقل صوته..وبالتالي يصاب بالكآبة والحزن ويبدأ يطلق لسانه وقلمه في تلك الأنظمة العربية وبالتالي يجد النظام نفسه يقف في الطرف الآخر فيضطر أن ينصب له مؤسسات ثقافية مُصَنَّعة على رأيه يمولها من المال العام ويتخذها حربة في نحور الغير، وبالتالي تنشأ معارك أساسها الانفصام بين الحكم وبين الثقافة والأدب. 


وما الطريق إلى معالجة هذا المرض ؟ 
الطريق إلى ذلك تثقيف السياسة وتأديبها وتهذيبها لكي تحتضن وتحتوى صوت المثقف والموهبة الإبداعية وبالتالي تعود إلى ما كانت عليه بالعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الإسلامي والعصر الجاهلي أيضاً.. تسمى في العصر الحديث عصر كذا وعصر كذا ـ عصر دور الرجل الفلاني، عصر الدساتير .. عصر الهزيمة,نسميها العولمة نسميها بأي اسم كان.. المهم أنها تتصل بالغرض ـ بالكرسي تتصل بالسلطة وبالتالي ستصل إلى أي مكان وتعرف ...وإلا فالجيل الذي بعدنا سيسمينا بعصر الركود وعصر الخمول وعصر الانحطاط كما نطلق نحن على عصور الإمارات السابقة، بينما لا ركود ولا خمول ولا انحطاط وإنما هو الفقر وانعدام المادة، وهو عائق يحول بين الموهبة والإبداع وبين عيون الناس وأسماعهم وأذهانهم. 


بمناسبة احتفالات بلادنا بذكرى أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر ..سؤالي حول الهدف الأول من أهداف الثورة اليمنية الذي يقوم على أساس التحرر من الاستبداد والاستعمار ومن مخلفاتهما: فما هي مخلفات الاستبداد والاستعمار وهل تحررنا منها أم من بعضها؟ 
وهل نستطيع التحرر منها ؟؟

في الحقيقة الثورة السبتمبرية وما هي بالنسبة لنا .. هي جوهر السمع والبصر وأنا لا أريد التحدث عنها بكل ما يكنه قلبي عنها، أولاً لأنني لست من جيل الثورة السبتمبرية... فلقد كنت حينها طفلاً يافعاً في القرية لم أضطلع بأي دور سبتمبري أيام الثورة ولا في الأعوام الدامية التي كانت تليها .. كنت طفلاً في القرية.. أسمع عنها وبالتالي كنت أرصد الأحداث التي أسمعها ولكن عندما تدربنا في الحياة وأصبحنا نقرأ أدبياتها وعشنا أواخر الصراع وولجنا العصر السياسي والعصر العسكري وجدنا أن الثورة السبتمبرية. 
كانت شاملة في أهدافها نبيلة في مقاصدها واعتمدت على همم عالية جدا وقامات سامقة الطول ولاء وإخلاصاً وتضحية وفداء لشعبها .. من أجل الشعب اغتربت ... من أجل الشعب سجنت ودمرت منازلها، من أجل الشعب أعدمت .. من أجله وضعت الأثقال على صدرها وكانت تعزر في الأسواق وهذه طبعاً شخصيات عصامية ... التاريخ واليمن والثورة تحفظ لهم ذلك بحروف من نور... لكن المعاناة التي كان الشعب اليمني يعانيها تاريخيا يدل على أن الذي كان يقع على كواهل الفلاحين والرعايا والفقراء وكل من ليس من الأسرة الحاكمة "المرضي عنها " ذات عرقية يتمتع بها الإمام وأمثاله وأنداده وأحواله وفروعه من الدرجة الثانية والرابعة .. يعنى مصدر رزق ...مصدر قوت مصدر عيش.. كانت عبارة عن : عملية القوي يستبد بالضعيف ـ الوالي أو ولي الأمر أو الحاكم ..والأرياف تخاف من جندي الإمام وعسكري الإمام .. الرعب تملك الناس في الريف والمدينة. فالمجتمع يعيش في ظل رعب شديد وبالتأكيد فإنه سينتفض انتفاضه كرد فعل عنيف جداً. 
لأن الكوادر الأولى من الثوار في 1948م قتلوا عندما فشلت الثورة ـ وفي عام 1954 م قتل آخرون ومرت الثورات والدماء تسيل وكل من سار في طريق الثورة أعدم... كان لابد لأهداف ثورة "26 سبتمبر" أن تؤكد بأنها قامت من أجل إزالة ذلك الظلم والحد من الاستبداد الذي استبده الحاكم بالمحكومين ومخلفات ذلك الظلم بعد إزالته من مفاهيم خاطئة أنه لابد أن يكون إماما على اليمن ... أي أنه لابد أن يكون من الأسرة ولابد أن تكون فيه مواصفات مذهبية أو هكذا ...وهذه أيضاً إضافة إلى مخلفات الإمام من حيث الظلم والطغيان في الدور الحاكم وفي الدور العامل وهكذا رسمت في الناس طابعاً عرفياً أنه لابد من تعسف .. لابد من سيد ومسود، هذه مخلفات الاستبداد والظلم. 
الظلم من شيم النفوس ولكن بعض الظالمين يشعرون بأنهم يظلمون وبعضهم لا يشعرون، بعضهم يعلمون وبعضهم لا يعلمون و بالتالي فالنظام الجمهوري قام ليجعل رقابة الشعب على الحاكم ويجعل السلطة بالتناوب ليختار أكثر الناس رحمة بالشعب وأكثرهم رفقاً بالفقراء والمحتاجين وبالتالي يكلل بالرعاية والعناية والاهتمام بهذا الشعب لا بالسيادة والظلم والتسلط على هذا الشعب ... وهذه كانت من أنبل أهداف " 26 سبتمبر" واسمح لي أن أقول لك بهذه المناسبة إن تاريخ الثورة أخطر قضية يتحاشي الناس الحديث عنها.. مثلا أنا أزعم بأنني مؤرخ يمني يهتم بالتاريخ اليمني أرضاً وإنساناً وإطاراً يمنيا سياسياً واجتماعياً وثقافياً وأدبياً: ثورة سبتمبر مع احترامي الشديد لمن كتبوا عنها حتى الآن لم يقدموا مرجعاً حقيقياً شاملاً كاملاً عن كل أهدافها وما كان لها، وما كان عليها، لأن فريقاً من الناس مات وأسراره في بطنه وفي صدره، ولم يتكلم، واستشهد في ظل هذه الثورة وناضل من أجلها ولم يدلِ بشهادته، وبعض الناس ملأ الدنيا كلاماً وصراخاً وشهادات وينتقده المعاصرون له ويردونها في وجهه ويراشقونه في النفس وفي كل ما أثبت . ولا إثبات فيما فعل، وآخرون كتبوا بروح المجاملة مع التخوف والاستحياء لا يبحثون في الأعماق عن الحقائق ولا يصارحون الناس بتاريخ مضى عليه أكثر من ثلث قرن من الزمن، والمفترض بعد ربع قرن من الزمن أن يطلع التاريخ الحقيقي للثورة اليمنية والأدوار والمواصفات والأسماء وخاصة أن القافلة كبيرة من الثوار، فالمفروض أن يدلوا بشهاداتهم بأمانة وبصراحة ووضوح وحتى الذين يقولون: ( أدلينا بشهاداتنا في معسكراتنا ـ بمذكراتنا وإذا متنا لن نخشى من الواقع وحتى الذين يقولون) ...ورد الفعل من المعاصرين عندما ماتوا ماتت معهم تلك المذكرات فما أحسسنا منهم أحدا،ً ولكن هذا هم مشترك، فأنا أناشد وأطالب الحكومة اليمنية وأجهزتها الثقافية والبحثية والمؤسسات ... العلمية فيها أن تتضمن مشروعاً توثيقياً دقيقاً عن الثورة ... فأنا حتى هذه اللحظة وأنا الذي قرأت عشرات الكتب عن الثورة اليمنية وقرأت آلاف الصفحات على صدور الجرائد من أقوال الثوار وجالست كثيرين منهم ـ حتى الآن لم أُكوَّنْ فكرة مركبة دقيقة غير متناقضة من تلك الأخبار وبالتالي فأنا أجهل تاريخ الثورة وبالرغم من أنني بهذا القدر من الاهتمام ولم أركب الصورة الواضحة عن الأدوار والأسماء والتاريخ الحقيقي لها فكيف بمن عدى وتلاميذي وزملائي الأقل قراءة مني ..؟ من أجل هذا فالدولة مسؤولة كل المسؤولية أن تتعدى الروتينات والرسميات والمجاملات وأن تشكل فريقا كبيراً عسى أن يبلغ المئات من البشر وأن تستنبئ عن شهداء ذلك العصر أو تلك الثورة ـ شهاداتهم على مستوى الأرياف والمدن والمواقع من الداخل والخارج بأمانة وصدق، وأن تجعل الكتاب ليس من ذلك العصر، والذين يوثقون تلك البيانات من الشباب المعاصر ـ الجيل الثاني ـ الذي جاء بعد الثورة كي لا يقف مع فلان وعلان أو يتعصب لرجل من منطقة كذا. 
فقضية إعادة تاريخ الثورة اليمنية وهي المسئولة عن ذلك والقادرة عليه، ولكن يجب أن نوكل الأمر للقادرين المحايدين الذين يهمهم هذا الأمر فعلاً ولا يخافون وخاصة الأجيال المعاصرة وبالتالي فأتمنى أن أرى في يوم من الأيام وقد تحقق هذا، وإن ندائي هذا قد وصل إلى المؤسسات المسئولة عن تحمل أمانة التاريخ اليمني البحثي وأن تشق طريقها نحو توثيق دقيق للثورة السبتمبرية وكذلك أيضاً ثورة أكتوبر. 


كان من مبادئ الثورة اليمنية احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ... فهل تعتقد بأن هذه المنظمات الدولية لازالت تستحق أن تحترم ؟ 
الحقيقة بأن هذه المادة كتبت ليس عن صدق نية لمن كتبها وليست في دستور الجمهورية اليمنية ولكنها في جميع دساتير الدنيا عبارات روتينية، فإن كنت قويا مثل أمريكا مثل روسيا مثل إسرائيل ... فإنك تخرج عن كل المنظمات الدولية والقوانين الدولية والمؤسسات الدولية بملء فمك وملء عينيك وبكل ما يريده عزمك .. المهم أن تكون لك قوة اقتصادية وقوة عسكرية قاهرة ويكون في دستورك هذا الكلام وهذا ما نراه اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن إسرائيل ومن الدول الحليفة لها في أوروبا الذين يخرجون عن كل القرارات الدولية ومجلس الأمن الدولي الذي هو أعلى منظمة عالمية دولية ويمررون القرارات من تحت نعالهم وخاصة إذا كانت ضد مصالح أحد حلفائهم كإسرائيل مثلا ولكن نحن في اليمن وغيرها من الدول الفقيرة الناشئة كان لابد أن تكتب عنها كي تنال الاعتراف بشرعيته وأنها عضو في المجتمع الدولي وأنها ملتزمة بالشرعية الدولية والقانون الدولي كي تعطي الأمان لكل المجتمع الدولي وإن لم تكتب هذا لما اعترف بها، وكانت في تلك الأيام فلسطين محتلة.. قرارات أرض عربية محتلة في كل أقطار الوطن العربي المحتلة ودول عظمى ضدها، قرارات منظمات دولية لم يعمل بها ولم تحترم، حتى قامت المقاومات الشعبية والانتفاضات والحروب ولم تنصع لأي قرارات، ولكن مثل اليمن لابد أن تلتزم بها كي تنال ثقة المجتمع الدولي وتعتبر عضواً مسالماً في المجتمع الدولي لهذا فهذه المبادئ تكتب في جميع الدساتير. 


الحوار شيق للغاية ولكني أطلب منك أن تختم هذا الحوار بما شئت؟ 
أختم هذا اللقاء بالتعبير عن سعادتي البالغة لثلاثة أمور: 
الأمر الأول : أنه جاء من صحفي يمني كنت أظن أن مداركه ـ كغيره من الصحفيين الشباب ـ ليست قوية في سبر أغوار القضايا ... لكنها جاءت خلاف المتوقع وجاءت عميقة فعلاً وتدل على استيعاب شامل في كل المجالات ولذلك أنا أعبر عن سعادتي الغامرة وأعتبر ذلك وساماً على صدري من أبناء بلدي أن وصلوا إلى هذا المستوى من الوعي. 
الأمر الثاني : أنه جاء من جريدة تحمل اسم " 17 يوليو" هذه الجريدة تذكرني بالبوابة التي ولجت منها عالم محو الأمية السياسية والعسكرية ودخلت في هذه المناسبة عالم المشاركة السياسية وفي هذا اليوم دخلت الحياة التي أعيشها في نفس اليوم الذي دخل فيه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح سلطة الحكم، دخلنا نحن من خلفه الكليات المختلفة ونحن على الدرب سائرون وعلى العهد لهذا اليوم. 
الأمر الثالث: هو السرعة في متابعة الحدث الثقافي من قبل الصحف اليمنية بالإجماع، فبمجرد أن تسمع بحدث ثقافي أو أدبي تبادر بالنشر وتصطاد المعلومة وهذه ميزة للصحافة اليمنية وأنا سعيد بها جداً.