الخميس“ 28 مارس 2024 - 09:29 ص - جرينتش

د.الشميري:ثورة 26 سبتمبر الخالدة أخرجت اليمن من الظلام ... ومنحته الأمان والحرية والمدنية


جريدة الثورة - العدد 13467 - لقاء: رياض شمسان 
25/9/2001 
• ثورة 26 سبتمبر الخالدة أخرجت اليمن من الظلام ... ومنحته الأمان والحرية والمدنية... 
• في معارك الدفاع عن الوحدة رأيت عدداً من المشاهد والمواقف التي ذرفت لها عيناي دموعاً


قبيل سفره بأيام إلى القاهرة لاستلام مهام عمله كسفير ومندوب دائم لبلادنا في الجامعة العربية ... التقيت الأخ الدكتور عبد الولي الشميري وسألته عن نظرته إلى الثورة السبتمبرية في عيدها التاسع والثلاثين، وكذا عن ذكرياته من خلال مشاركته في معارك الدفاع عن الوحدة اليمنية فأجاب قائلاً: 
أحب أن أوضح أنني من جيلٍ ما بعد الثورة السبتمبرية وعيا ًفقد قامت في حين كنت في طفولة مبكرة لا تمكنني من الإدلاء بشهادة مسؤولة عن واقع الحدث الثوري، وللأسف فإن الذين شاهدوها وشاركوا في صناعتها حقًا قد غادر بعضهم الحياة وهو صامت ولم يدل بأي شهادة ولا وثيقة فيما نعلم، حتى الذين قالوا بأن لهم مذكرات وأوصوا بأن لا تنشر إلا بعد موتهم فإنني لم أقف حتى بعد موتهم على شيء يذكر أو يستحق كتمانه في حال حياتهم، وأما الفريق الذي ما يزال حيا أطال الله في عمره فإن بعضهم يدلي عن الثورة بأحاديث أو مقالات والبعض الآخر يُكذبُ ويشكك في صحة كثير منها. ولذلك فإنني أدعو إلى جمع بيانات أحداث وأقاصيص وأفكار الثورة قبل أن لا نجد منها شيئاً. على أن تستجلب تلك المعلومات، وتحلل، وتقارن بما تواتر من أخبار مطابقة ومتواترة حتى تستملي شهادات الأحياء عنها وبوعي، وبالتالي سيكون بإمكاننا صياغة ذلك التاريخ الثوري بكل الأدوار وأصحابها ولا أري حتى الآن فيما كتب عن الثورة كافياً أو متفقا عليه. 
أما من حيث الثورة السبتمبرية فرؤيتي لها من خلال واقع مشاهد وماض نرى آثاره وتصلنا أخباره، فلقد كانت يقظة أمة وقدر شعب اقتضتها ضرورة الخروج باليمن السعيد من حياة الانغلاق والبدائية المتخلفة إلى رحاب الاجتماعية العربية والدولية، حياة تهب الشعب حريته وتطلعاته، وبالتالي فأنا أنظر إليها صاحبة فضل على كل يمني كتب له أن يشهد ما بعد عصر الثورة من أمان ومدنية، وحرية خاصة وإني أراها السبب الأكبر في بداية رحلة اليمن إلى الوحدة المباركة التي كتب الله شرفها للأخ الرئيس القائد علي عبد الله صالح حفظه الله. 


الدفاع عن الوحدة 
أما ذكرياتي عن معارك الدفاع عن معارك الدفاع عن الوحدة اليمنية كثيرة لا تتسع لها سطور كتاب لو تتبعت كل ما رأيت وسمعت. غير أن وقفاتنا متميزة عن واقع يوميات الحرب المعتادة وستظل كالتماثيل المنحوتة أمام ذاكرتي وتفرض نفسها على قلمي كلما كتبت منها الموجب النبيل، ومنها الخطأ المعيب. 
ومن مشاهد الذكريات مشهد ذرفت له الدمع وكتبت من أجله القصائد وهو عندما كنت واقفاً قبيل الغروب يوم 5/7/1994م في حي يقع في الشرقي من منطقة دار سعيد والشيخ عثمان وبجوار بئر في الرمال المحيطة بالضاحية، وكان على ذلك البئر مضخة تضخ المياه من البئر لأعداد كبيرة من النساء والرجال الذين اصطفوا في طابور ليغترفوا الماء ويملأوا أوانيهم، ومرت قوات الوحدة بجوار البئر متجهة نحو منطقة المملاح فمطار عدن الدولي وبدأ الناس يفدون باتجاه المنازل خوفاً من أرتال دبابات تابعة لقوات الوحدة . ولكنهم لم يسمعوا أي مطاردة أو استهداف فتوقفوا عن الهروب ثم سمعوا أصوات الميكرفونات من كتائب الجيش الوحدوي تناديهم عودوا للبئر وأنتم في أمان ونحن إخوانكم وأهلكم. 
فعاد ذلك الحشد الكبير جرياً نحو البئر دون تخوف ولكنهم عندما وصلوا إلى البئر أخطأوا طريقة تشغيل المضخة واحترقت البطارية المساعدة على التشغيل فكانت كأنها نكبة ويأس وحزنوا حتى إن بعضهم كاد يبكي وبدأوا الكلام بينهم مع قادة الكتائب الزاحفة وبدأت لغة المودة و نفسية الاطمئنان تمد عراها بين الطرفين، وفوراً أمر قائد كتيبة الدبابات بسرعة تشغيل المضخة ببطارية إحدى الدبابات وتبقى الدبابة هناك حتى يستغني الناس عن رفع الماء من البئر، ولما حدث ذلك بالفعل تعالت أصوات أولئك المجتمعين على البئر تحيا الوحدة، تحيا الوحدة فظلت الهتافات تتواصل وتتعالى من كل من سمعه حتى ملأ به الحي والصحراء. ولما وصلت سيارات الإمداد التابعة للجيش الوحدوي حاملة الكعك والخبز، والفواكه والبسكويت وعلب الماء المعقم وكانت المودة قد أخذت مكانها من الطرفين وإذا بي أري أولئك المدنيين يتسابقون إلى السيارات يمدون أيديهم نحو حمولتها ويتبادلون فيما بينهم ما تحمله من مؤونة وكأنها لم تكن لجيش جرار محارب متواجد إلى جوارهم، ورغم ما رأيت من ابتسامات رضا وإعجاب وفرح على وجوه المسؤولين عن تلك السيارات الخاصة بالإمداد وكذلك أفراد حراساتها إلا أن الأمر الذي ذرفت عيناي له دموعاً هو عندما رأيت رجلاً من المحاربين يحتضن رجلاً آخر.. يقبلان بعضهما في شوق، وكل واحد منهما تذرف عيناه بالدمع وهناك بادرت بالاقتراب منهما لأعرف شيئاً مما جرى فإذا بهما أخوان شقيقان يلتقيان هنا ويبكيان فرحاً وبدون قصد منهما ولا سابق إرادة ووجدت صوتي ساعتها يهتف عالياً الله أكبر فأل حسن يبشر بالنصر المبين وإرساء أخوة وحب. ومثل هذا المشهد رأيت وشهدت عشرات المواقف المشابهة والمعاكسة.