السبت“ 20 أبريل 2024 - 09:13 ص - جرينتش

الشميري لجريدة العالم الإسلامي: الانتفاضة خلفت شعراً يقطر دماً وقصائد مغسولة بالدمع


العالم الإسلامي - العدد 1786- حوار: محمد عبد الشافي القوصي - الإثنين 28المحرم 1424هـ 

مع أنه بدأ حياته في سلك العسكرية الحربية، ورغم الضغوط التي يفرضها العمل السياسي، ورغم أعباء الدبلوماسية المتزايدة، إلا أنه أصر على أن يكون مرابطًا في ميدان "ابن منظور"، وحارسًا أمينا على تراث "الجاحظ" و"الجرجاني" و"ابن قتيبة"، فلم تستطع الحقيبة الدبلوماسية أن تطرد (الشاعر) الذي يسكن بفؤاده. ولم تمنعه من الإبحار حول شواطئ "الفراهيدي" الممتدة مسيرة أربعة عشر قرنًا من الزمان، كي يستخرج منها أجمل القوافي ومختلف الأوزان... وظل – على هذه الحالة يواصل سباقه في مضمار الفكر والثقافة والأدب، في حله وترحاله، حتى أغرته مدرسة (البارودي، وحافظ، وشوقي) بحللها وقلائدها الذهبية، فاستراح بجوارها.. وأنشأ صالونه الثقافي على ضفاف النيل، الذي غدا قبلة الأدباء والمثقفين بمختلف مشاربهمم ومذاهبهم.. ذلكم الدبلوماسي اليمني، الأديب الشاعر الدكتور/ عبد الولي الشميري، الذي استطاع – بصالونه الأدبي – أن ينافس جماهير كرة القدم الغفيرة.. وإلى الحوار:


- في البداية – متى، وكيف بدأت علاقتك بالأدب.. وماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟؟ 
أنا أحيا بالشعر، وبدونه تستحيل الحياة، ولعلي أصبر على الجوع والعطش، ولا أصبر على فراق الشعر لحظة واحدة.. وإن كان جسدي في (الجامعة العربية) بيد أن لساني وقلبي مع الشعراء باختلاف مدارسهم.. وقد عبرت عن ذلك شعرًا، وقلت:
الشعر فيض خيال فيه عاطفة
يمليه شجو وأفراح وأحزان
ووثبة اللغة الفصحى وأوزان
وما سواه فلا شعر ولا أدب
متى تساوي أدونيس وحسان!


- لكن ما هو سر إعجابك بالشكل الأدبي الموروث، ومعانقتك لـ "الخليل" على النحو الذي يمكن أن يقلل من فرصة انتشارك – في هذا الوقت بالذات – الذي راجت فيه بضاعة المحدثين؟! 
... للناس فيما يعشقون مذاهب"، وكل يعزف على قيثارته ويغني على ليلاه، بل يأكل ويلبس – أيضًا – ما يشتهي، وحسبي أنني متدله بديوان العرب الذي وسع شعراء لغة الضاد منذ أكثر من ستة عشر قرنًا من الزمان..
ولعل نشأتي الأدبية كانت على دواوين كبار الشعراء ورواد التجديد في العصر الحديث أمثال: البارودي، وحافظ، وشوقي، وأحمد محرم.. وغيرهم من المبدعين الرواد، الذين سرت أشعارهم وقصائدهم سير الليل والنهار. وليس في هذا تقليل من شأن المدرسة الحديثة التي احتفت – بدورها – بعدد غير قليل من المبدعين مثل نازك الملائكة، وعبد الله البردوني، ونزار قباني، وأحمد مطر، وعازي القصيبي، وحسن الأمراني.. وغيرهم.. وفي نهاية الأمر نترك للقارئ حرية التذوق والاختيار، والأيام هي التي سوف تفصل في هذه القضية!


- ترى لماذا جاءت الدعوة إلى (الأدب الإسلامي) – في هذا الوقت بالذات – وما مدى نجاحها في ظل المعوقات التي تواجهها؟! 
الأدب الإسلامي، كان – وسيظل – في كل العصور والأزمنة، لأنه عنوان الأدب الراقي، والذوق الثقافي الرفيع، الذي تستظل به النفوس السوية، وتتشربه الأفئدة النقية. أما سبب تكريس الدعوة إليه الآن، فذلك ردًا على موجة "الحداثة" الفاسدة، وتصديا لرياح التغريب العاتية التي يهدف أصحابها إلى تذويب هويتنا، واقتلاعنا من جذورنا، وإلى اليوم هم فاشلون.. ولن يفلحوا أبدًا، وأعتقد أن مستقبل الأدب الإسلامي مرهون بمستقبل الأمة ذاتها، فمتى تخلت أمتنا عن التبعية للآخر، وتخلصت من أدرانه وأوحاله، ففي هذه الحالة لن يكون الأدب إلا أدبًا إسلاميًا، كما كان طيلة الحقب الماضية.
- هل تراجع (الشعر) عن مكانته السامقة التي تربع عليها طيلة العصور الماضية أمام الرواية التي سرقت منه الأضواء في الحقبة الأخيرة – أو كما يقولون هذا "زمن الرواية"؟ 
الثورة الروائية أشبه بـ "موضة" يمكن أن تتلاشى، كغيرها من الموضات التي تظهر وتختفي، ويظل الشعر ديوان العرب والمؤرخ الحقيقي للحياة وما عليها.. فالرواية موجودة منذ عصر عبد الله بن المقفع، ولم تستطع الصمود في عالم الإبداع الإنساني، وكانت تسمى – قديمًا – بالمقامات، مثل ما قدمه الزمخشري، والحريري، وبديع الزمان الهمذاني، مثل قصة "كليلة ودمنة"، كذلك القصص الرائعة في النثر الجميل عند الرافعي والمنفلوطي.. ويمكن أن تصطاد منها درر الأفكار، وجواهر المعاني.. لكن في النهاية تظل القصيدة هي روح الإبداع الأدبي. ولا يخفى على عاقل أن (ضجة الرواية) صنعتها دوائر سياسية، لتخدم أهدافا معينة، وفكرا معينا، وأيديولوجية مكشوفة، وقد رصدت لها جوائز عالمية، تمنح هذه الجوائز والنياشين لأناس بعينهم، ولا يطالها آخرون، كالذي يأبى أن ينسلخ عن جسم أبيه وأمه!!


- من وجهة نظركم – هل استطاع الأدب بمختلف فنونه أن يعبر عن حجم (مأساة فلسطين) كما وكيفا، كما نجح في مواكبة قضايا أخرى..؟! 
نعم.. مأساة فلسطين الحبيبة خلفت شعرًا يقطر دما، وقصائد مغسولة بالدمع، وجميع الفنون الأدبية واكبت الأزمة منذ البداية، وخلفت رصيدا هائلا من الإبداع، ففي الشعر نجد هناك أسماء كبيرة وقامات عالية مثل: عمر بهاء الدين الأميري، ويوسف العظم، وغيرهم ممن لم ينشر شعرهم كما ينبغي، لأنهم يحرضون شعوبهم على تحرير الأرض، ويزرعون الحقد ضد المغتصب وأعوانه. ويوم تتحرر إرادتنا سوف يتاح لهذا الصوت أن يظهر ويرتفع – بإذن الله - . كذلك، قدم "باكثير" نتاجا متميزا في المسرح، ولو كان بيننا – الآن – لما استطاع أن يعرض منه شيئا كما كان من قبل.


- هل اللغة العربية تواجه تحديات خطيرة – بالفعل -، أم أن هذا الشعور المخيف من وحي هزيمتنا الحضارية في هذا العصر؟؟! 
لا أحد يجهل أن اللغة العربية مستهدفة أيما استهداف، وتعاني من حالة تجاهل من أبنائها وعقوق واضح من أهلها.. فهناك حرب التغريب التي تناصبها العداء، سواء من الفرانكفونية أو السكسونية التي توجه إليها ضربات متتالية في خاصرتها، وهناك الطاعنون بأسلحة الدولار، وهناك حرب اللهجات الدارجة، وسلاح العاميات الذي يناوئها في الداخر، ويريد أن يحتل مقاعدها، ويجعل الفصحى خاضعة له خصوعا تاما... وهذه، وتلك كلها محاولات لئيمة وجائرة ومكشوفة، ولولا أن قيض – الله تعالى – لهذه اللغة من ينافح عنها، ويرد عنها كيد الشانئين، لضاعت معالمها وذهبت ريحها، إنها معركة حامية الوطيس بين الفصحى وخصومها، أشبه ما تكون بحركة المد والجزر.
إن العربية الفصحى ليست لغة تخاطب فحسب، ولكنها لغة عبادة، يقرأ بها القرآن، وتتم بها مواثيق الزواج، ومن يتهاون في أمرها أو يفرط في شأنها، فإنما يفرط في جزء من دينه وعقيدته.. ولذا فإنني أدعو القائمين على أمر هذه الأمة، أن ينتبهوا لهذه الحقيقة، وأن يعلموا أن اللغة هي التي تحفظ للأجيال القادمة هويتهم الفكرية والعقدية والخلقية أيضا.


- ترى.. هل نحن في حاجة إلى الأدب والفن في عصر التكنولوجيا؟ وما هو مستقبل الأدب في عصر الماديات والمخترعات الحديثة..؟! 
الإنسان هو الإنسان – بآماله وآلامه – في كل العصور والأزمنة، والمتأمل في بلاد التكنولوجيا ذاتها وموطنها الأصلي، يجد المكتبات تغص بالمؤلفات الأدبية ومختلف القصص والروائع الإبداعية.. وهي تدفع إلى مزيد من العمل ومواصلة الحياة وإعمار الكون.. فلا تصلح التكنولوجيا إذا لم يصاحبها الأدب وتاريخه، والثقافة وأغراضها، فهي التي تربط الجديد بتجارب الماضي. قد يظن الناس أن الغرب عاكف أو منقطع على التكنولوجيا وحدها، لكن الحقيقة أن 90 في المائة منهم يهتمون بالدراسات الإنسانية والأدبية.
انظر – مثلا – إلى الأفلام السينمائية، فالعالم العربي لم ينتج حتى الآن 100 فيلم، بينما الغرب هذا المشغول بالتكنولوجيا والمخترعات الحديثة يمتلك ثروة فنية هائلة!! وغاية الأمر، أن المجتمع حينما يحل به المسخ أو التخلف تظهر عليه أعراضه في كل جوانب الحياة – علميًا وأدبيًا وعسكريًا وفكريًا وأخلاقيًا، وعندما تدب فيه الحياة وتعود إليه عافيته، تشمله من رأسه إلى رجليه وفي سائر أحواله... والشواهد على ذلك تفوق الحصر.


- ما هو سر تخلف مسيرة المرأة في عالم الإبداع والأدب عن الرجل، في مختلف العصور والأزمنة..؟!! 
بالطبع.. لأن الطبيعة الفسيولوجية للرجل أتاحت له فرصة الخروج والإطلاع بما لم يتاح للمرأة، أيضًا لوحظ أن وجدان الرجل متميز عن وجدان المرأة، ولعل هذا التميز الخلقي في هذا الكائن الذكري أتاح له أن يكون رائدًا أو قائدًا لأي جنس آخر، سواء في البشر أو الكائنات الأخرى. حتى إن الله – سبحانه وتعالى – جعل القوامة للرجل على المرأة، ولم يأت هذا التفويض عبثًا، وإنما لحكمة إلهية، ومشيئة عليا، أوجدت في الرجل القدرة على القيادة والبحث والتمحيص، وقد يشذ من جنس الرجل عدد لا تنطبق عليهم القاعدة.
لكن المرأة خلقت لرسالة أخرى جليلة القدر، عظيمة المكانة، وهي التميز العاطفي بالرقة والحنان... إنها وردة لا تحب الذبول أو الجفاف أو حر الهواجر، فمهمتها في الحياة تختلف عن مهمة الرجل، وبالتالي فكان حظها في صراع الوجود صراع يتناسب مع فسيولوجيتها، ومن ثم جاء إبداع المرأة دون مستوى إبداع الرجل، إن عالم الرجل هو الصحراء والبيداء والحروب وخوض المخاطر وصناعة القرار، وغير ذلك من الصعاب وتكاليف الحياة. بينما عالم المرأة هو عالم الظل الوارف، والورد الفواح، والماء الزلال، والحنان الدائم، والأمومة الحانية... ومن يتجاهل هذه الفوارق، فقد يتجاهل الحكمة وراء تأخر أو ندرة عطاء المرأة عن الرجل في عالم الإبداع وميدان الأدب. 

 

المصدر: http://www.muslimworldleague.org/paper/1786/articles/page3.htm