السبت“ 20 أبريل 2024 - 07:48 ص - جرينتش

إعتراض العرب على 180 مليون دولار للسلطة الفلسطينية كانت وراء تأجيل قمة تونس


صحيفة دنيا الوطن - الجمعة 23 ابريل 2004 


كشف مندوب اليمن الدائم لدى جامعة الدول العربية الدكتور عبدالولي الشميري أن إعتراض عدد من الدول العربية على تمديد الميزانية المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية والتي تبلغ 180 مليون دولار كان السبب الرئيسي وراء تأجيل القمة العربية في تونس. 
وأوضح الشميري في حديث خاص لـ"إيلاف" أن إختلافات واسعة قد حصلت حول قضايا الإصلاحات أهمها رفض قيام مجلس أمن عربي ومحكمة عدل عربية وبنك تمويل إستثماري مشترك، مؤكدا على أن المبادرة اليمنية حول خارطة العراق لم تخرج بضوء أخضر اميركي على الإطلاق "فالترحيب الأميركي جاء لان الولايات المتحدة الاميركية في ورطة حقيقية في العراق وتريد أن تتعلق بأي قشة تحفظ لها ماء وجهها الذي هشمته المقاومة العراقية". 
واشار الدبلوماسي اليمني إلى أن بلاده ترحب بمبادرة أميركا حول الشرق الأوسط الكبير، معتبرا أن النظام السياسي في اليمن متقدم عن غيره بآلاف الاميال في مجال الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمرأة، ومطالبا العرب بضرورة قراءتها بصورة متأنية.
. وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور الشميري: 


هل يمكنكم إطلاعنا عن حقيقة تأجيل قمة تونس وهي في لحظات ترتيباتها الأخيرة ؟ 
ان اجراءات تأجيل القمة العربية في تونس كانت غير سليمة، فكان على الرئيس زين العابدين بن علي ان يتصل بإخوانه الرؤساء والملوك والقادة العرب الذين كانوا قد رحبوا بالحضور وجاهزين للتوجه إلى تونس في اللحظة الأخيرة. على ان يتشاور معهم بعد ذلك ويبلغهم بمبررات التأجيل ولديه مبررات مقنعة أنا شخصيا مقتنع بها على الرغم من عدم الاعلان عنها حتى اللحظة . 
وماهي هذه المبررات التي جعلت الرئيس التونسي يؤجل عقد القمة العربية؟ يبدو أن الرئيس بن علي قد أغضبته بعض الأمور التي حصلت في اللحظة الأخيرة، ومن أبرزها الإجراءات الأمنية التي إتخذتها بعض القيادات العربية والتي كانت بشكل اعتباطي وبالتالي قللت من أهمية وقوة الحكومة والأمن التونسي اضافة الى امور اخرى أهمها تدني مستوى المشاركات على مستوى القمة خاصة من الزعماء الذين كانوا قد رحبوا بالحضور وتراجعوا في اللحظة الاخيرة. 


هل هناك قضية محددة عصفت بالتحضرات للقمة مما أدى إلى تأجيلها ؟ 
طبعا ثمة نقاط مهمة عززت قرار إرجاء القمة العربية في تونس لعل اهمها عدم التوصل الى اتفاق حول نقاط هامة والتي لم يتمكن قبل ذلك الاتفاق عليها من قبل السفراء والمندوبين الدائمين، ووزراء الإقتصاد والخارجية، وحتى نقلت إلى لقاء الزعماء. 
وكانت تلك بمعظمها تشكل إحراجا لهم، وإذا ما تم تجاوزها ستكون القمة فارغة من محتواها. ولعل الإختلاف على تجديد الميزانية للسلطة الوطنية الفلسطينية للأشهر القادمة التي كانت الدول العربية تشارك بها في دعم السلطة الفلسطينية وعدم الإتفاق حول هذه النقطة شكل ضربة قاسية للتحضيرات للقمة العربية خاصة وأنه في نفس اليوم تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة حماس. 
وفي اليوم الذي تزداد فيه إسرائيل عنفا وتشددا، يقوم العرب بالإعتراض على دعم السلطة الفلسطينية بمبلغ 180 مليون دولار، بينما الواقع يشير الى انه قد لا يصل إلى 100 مليون دولار . 


هل تنفي وجود ضغوط أميركية على تونس كانت السبب في تأجيل القمة العربية ؟ 
هذه من الشكوك العربية التي تحمل الغير فكرة التآمر الأجنبي والخارجي. أميركا لا يهمها إنعقاد القمة العربية او عدمه، ولكن ما يهم أميركا فعلا هو تحقيق توافق على تمديد الميزانية المالية للسلطة الفلسطينية. 
وان كان الواقع يؤكد تحالف العرب حول هذه القضية، الا ان الفكر السياسي العربي والتحليلات التشاؤمية تجعلهم يحملون فشلهم لأميركا وتدخلها، وكأن قمة تونس لو كانت إنعقدت لألغت الوجود الأميركي أو الإسرائيلي من البلاد العربية . 


يبدو أن تأجيل القمة أدى إلى إنشقاق بين الدول العربية بحيث اصبح هناك تكتل مشرقي ومغربي، خاصة بعد تمسك تونس بعقد القمة على أراضيها ؟ 
هذا ليس بامر مستغرب فالعقلية العربية قادرة على احداث الإنشقاق حول اماكن جلوسهم، فكيف حين يتعلق الامر بالقرارات او الافعال! لكن الحقيقة ان بلدان المشرق العربي تفهمت تمسك تونس بعقد القمة على أراضيها، وأعتقد أن تونس أصرت على حقها كرد فعل للإعلام العربي والشارع الشعبي العربي الذي رأى في تأجيلها القمة العربية رضوخا للضغوط الأميركية. لذلك لو إنعقدت في بلد عربي آخر لقال الشارع العربي أن تونس صارت إسرائيل رقم 2، لكن ما أحب التأكيد عليه هنا هو ان لتونس مواقف قومية مشرفة، فقد إستضافت القيادات الفلسطينية أيام ضائقتهم، كما قصفت مقرات الفسطينيين فوق الأراضي التونسية، ولها دور عربي في دعم القضية الفلسطينية والتصدي للهجمة الإسرائيلية خاصة بعد ترحيل الفلسطينيين من لبنان واحتوت وما تزال القيادات الفلسطينية. 


كيف تنظرون لدعوة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عقب تاجيل القمة إلى عقدها في مقر جامعة الدول العربية ؟ 
الدعوة التي أعلنها الرئيس علي عبدالله صالح أثناء إتصاله بالرئيس المصري حسني مبارك واتفاقهما على عقد القمة العربية في مقر الجامعة في القاهرة لم تكن بغرض التعريض بموقف تونس، وانما هي بمثابة تنبيه للشارع العربي الى قمة قادمة تعقد في مصر حيث مقر الجامعة العربية. 
ووفقا لميثاق الجامعة فالقمم العربية يجب ان تعقد في مقرها، لكن حين تمسكت تونس بموقفها في عقد القمة على أراضيها أعلنت الدول العربية إستعدادها للذهاب إلى تونس دون أي إشكالات. 


هناك إنتقادات لاذعة للجامعة العربية من بعض القادة العرب ؟ 
الجامعة هي هيئة دبلوماسية ومؤسسة سياسية تستمد قوتها من قوة الأنظمة العربية ومراتبات موظفيها من عطاء العرب انفسهم، لكنها لا تملك السلطة والقوة لتوحيد العرب أو الزام أحد بقراراتها، فهي بيت للأنظمة العربية بل سكرتارية لها، والذين يهاجمون الجامعة فإنما يهاجمون الانظمة العربية، لأن الجامعة ليست كيان مستقل أو محكمة يتحاكم إليها العرب وإنما هي قاعة لجلوس القادة للتشاور واصدار قرارت واتفاقيات. 
وباختصار فالجامعة العربية اشبه بمرآة على حائط ينظر فيها الإنسان فيرى وجهه المشوه الدميم، فيقوم بسب المرآة ولعنها، ويظن أنها شوهت صورته ومنظره . طبعا الأصل ان يصلح الإنسان من منظره وهندامه بحيث يرى نفسه في المرآة "الجامعة" جميلا. 


أليست القرارات الصادرة عن الجامعة العربية ملزمة للجميع ؟ 
الجامعة العربية لا تمتلك القوة ولا الفيتو ولا حق إلزامية القرار، فالدولة التي لا توافق على قرار ما داخل الجامعة فهي غير ملزمة بهذا القرار، حتى ولو صوّت عليه 20 دولة واعترضت دولة واحدة فهذا القرار غير ملزم لها وهذا موجود في ميثاق الجامعة العربية. 


وماذا عن إصلاح الجامعة في ظل عدم إصلاح الأنظمة العربية لنفسها ؟ كيف يمكن أن يكون للجامعة دور في حل المشاكل العربية؟ هل لديكم في اليمن رؤية واضحة إزاء ذلك ؟ 
من المفترض أن تعطى الجامعة العربية دورا محوريا حقيقيا، فعلى سبيل المثال لا بد من وجود محكمة عدل عربية تحتكم إليها الدول العربية، ثم إيجاد مجلس أمن عربي قادر على جعل اي قرار ملزم لكل الدول العربية. 
أيضا لا بد من إيجاد بنك عربي للإستثمار تشارك فيه كل الأقطار وبحيث يمون العائد الإستثماري للجميع، لانه من غير المنطقي أن تموت الدول الغنية من التخمة فيما تموت الدول الفقيرة من الجوع. 
هذه بعض الأفكار التي تطرحها اليمن باستمرار إضافة إلى الدعوات لإنشاء إتحاد عربي، لكن وللأسف إصطدمت الدعوة بعدم تفهم بعض الدول وعدم إستيعابهم لمطالب الشارع العربي لانهم يرون الواقع العربي الراهن وكأنما هو سحابة صيف وستنقشع. 


هل هناك دول محددة إعترضت على المبادرة اليمنية لقيام إتحاد عربي ؟ 
بالتأكيد، فكل دولة لها ملاحظة على فقرة من المبادرة اليمينة ولكن ليس عليّ أن أسمي الدول لكن ما أود التأكيد عليه هنا هو أن بعض الدول العربية إعترضت على إيجاد مجلس أمن عربي بل إن معظمها إعترضت على ذلك، لأنها تخاف من الولايات المتحدة الأميركية التي تأمر وتنهي في المنطقة حاليا، بينما هذه الدول العربية تستقوي بأميركا على بعض الدول الأخرى. 
كما ان عددا من الدول العربية إعترضت على فكرة قيام بنك للتمويل العربي المشترك لان الدول الفقيرة ستستفيد منه على حساب الدول الغنية .اما قيام برلمان عربي ، فكان هناك توافق تام حوله . 


بالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي , كيف تنظرون إليه في اليمن خاصة أن الدول العربية أعلنت رفضها لأي مشاريع إصلاحية تأتي من الخارج ؟ 
شخصيا لا أرى في مبادرة الشرق الاوسط الكبير التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأميركية شيئا خطيرا على العرب لأنها لم تتعرض للقضية الثقافية إطلاقا، كما لم تتعرض للقضية الإجتماعية، إنما ركزت على الإصلاح السياسي، وهذا الأمر يمس الأنظمة العربية كثيرا، بالتالي أعلنت رفضها لهذا المشروع الاميركي باعتباره جاء من الخارج ولا ينبع من القيم والتقاليد العربية . 
وللأسف انزعج عدد كبير من الدول العربية من المبادرة الاميركية لأن الإصلاح السياسي الذي تهدف إليه أميركا يبدأ من رأس الأنظمة . أنا شخصيا اعارض كل الأفكار الإصلاحية التي تتقدم بها أميركا الى العرب لأنها دائما تقف إلى جانب إسرائيل وإرهابها وتتجاهل في الوقت نفسه القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين جميعا . 
لكن في مبادرة الشرق الأوسط الكبير، التزمت الولايات المتحدة الصمت ولم تتعرض لكلا الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وصمت اميركا خير من نطقها، فموقف أميركا معروف وواضح وهو الإنحياز لإسرائيل . 
لكنه من الضروري بمكان ان يقرأ العرب مبادرة الشرق الأوسط الكبير بتمعن وبشىء من التأني، حيث سيجدون أنفسهم لا يختلفون معها كثيرا . 
ونحن في اليمن لا نختلف معها، لأن وضعنا السياسي قريب جدا الى ما تدعو إليه أميركا من الديمقراطية وتناوب السلطة وحقوق الانسان والمرأة والمشاركة الإجتماعية والسياسية، فنحن في اليمن متقدمون عن غيرنا في هذه القضايا بآلاف الأميال. 


يقال أن مبادرة اليمن حول خارطة طريق للعراق قد جاءت بضوء أخضر أميركي , حيث أن واشنطن قد رحبت بها بالإضافة إلى بعض البلدان الأوروبية ؟ 
ليس صحيحا أن المبادرة اليمنية جاءت بضوء أخضر اميركي وإنما جاء ترحيب أميركا بالمبادرة حول العراق لأنها كانت وسطية. 
واليمن قدمت هذه المبادرة وكأن مجلس الأمن العربي موجودا، ومحكمة العدل العربية موجودة، والأمة العربية تحمل نفس الهم اليمني إزاء قضية إحتلال العراق. 
ولان اليمن يسعى لحل المشاكل العربية بشكل سريع فتقدم بمبادرات جريئة جدا. لكن الحقيقة أن المبادرة اليمنية لم تخرج بإيحاء أميركي على الإطلاق، فورطة أميركا في العراق يجعلها تتعلق بأي قشة تحفظ لها ماء وجهها الذي هشمته المقاومة العراقية. 


هناك من يقول أن وجود قوات عربية في العراق في ظل وجود قوات الإحتلال يعطي هذا الإحتلال شرعية عربية ؟ 
شرعية أو حماية لها من الضربات التي توجهها المقاومة العراقية لقوات الإحتلال الاميركية، وبالتالي إما ان تصطدم القوات العربية بالشغب العراقي وهي في سبيل حماية قوات الإحتلال أو أن تصطدم بقوات الإحتلال وبالتالي سيكون موقف العرب حرجا. لكن وجود قوات عربية في العراق كما تقول به المبادرة اليمنية ليس في ظل وجود قوات الإحتلال، فاليمن قال بضرورة وجود قوات عربية بعد إنسحاب قوات الإحتلال . 


لكن الإنسحاب قوات الإحتلال الأميريكي من العراق غير وارد في خطط الإدارة الاميركية ؟ فما جاءت هذه القوات إلا لتبقى كما يصرح القادة الأميركبين ؟ 
فعلا أميركا لا تريد الإنسحاب من العراق لكن كما يقول المثل "مكره أخاك لا بطل"، فالمقاومة تمرغ وجه قوات الاحتلال في التراب العراقي يوميا وتضعها في ورطة حقيقية، ولذلك قد تنسحب لأماكن بعيدة تحمي نفسها بأكوام الرمل والألغام الأرضية، وتحتمي بالطائرات والصواريخ، وتبقى وكأنما محاصرة في العراق، فتخرج من المدن وهذا الامر وارد في كل الاحوال لو إستمرت المقاومة العراقية بوتيرة متصاعدة وبعذا العنفوان. لن تتحمل الولايات المتحدة الأميركية هذه المقاومة والخسائر الكبيرة التي تتعرض لها، ويمكن أن ترحل عن المدن والقرى والأرياف أيضا وتعود أدراجها. 


يلاحظ عدم وجود أصوات عربية رسمية تقول بشرعية المقاومة العراقية، في وقت تصف الإدارة الأميركية هذه المقاومة بـ"أعمال عنف وإرهاب"؟ 
دائما القوي يتهم الضعيف ويلقي عليه الاوصاف الباطلة لكي يبرر مذابحه لأنه لا يستطيع أن يقول أنني ذبحت خصمي لأني أقوى منه، خصوصا في ظل رايات ترفع اليوم لحقوق الإنسان. لكن تبقى الحقيقة واضحة للعيان بأن القوات الاميركية وحلفائها من القوات هم محتلين والمقاومة العراقية مقاومة مشروعة. 
أما الشعب العراقي، فهو قوي ومقاتل اكتشف بعد فترة أن المستهدف ليس صدام حسين فقط بل المستهدف الشعب والثروة والأرض والكرامة والتاريخ والحضارة العراقية بدليل أن كافة مؤسسات الدولة العراقية ألغيت ودمرت ونهبت. كما أن قوات الإحتلال مارست البطش والقتل ضد الشغب إلى درجة بات العراقيون انفسهم يخشون على حياتهم وامنهم وكرامتهم. 


هل تعتقد أن الولايات المتحدة قد تراجعت عن تطبيق النموذج العراقي على بقية الدول العربية، حيث الوعد بالحرية والديمقراطية؟ 
أعتقد ان ذلك بات نكتة الموسم كما يقال فأميركا قدمت نموذجا رائعا للشيطان وليس لعالم البشر، ونموذج الديمقراطية والحرية في العراق بات دمارا وموتا بأسلحة محرمة دوليا، فبدلا من تقديم الشعارات الاميركية بطريقة وردية قدمتها ملتهبة بشواظ من نار. 


هل تعتقد أن الشجب والتنديد العربي الرسمي سيوقف آلة الحرب الاسرائيلية عن مواصلة مسلسل الإغتيالات الذي يتعرض لها قادة الشعب الفلسطيني يوميا ؟ 
ان سلاح الشجب والتنديد وسيلة غير فعالة فغير القادر على القيام بشيء يعتمد اسلوب الاستنكار والتنديد، الامر الذي لا يغني ولا يسمن عن شيء، فالتنديد لا قيمة له في عالم القوة وهذه التنديدات بالغطرسة الاسرائيلية سببه العجز العربي التام عن أي فعل .

المرجع من موقع دنيا الوطن :
http://www.alwatanvoice.com/articles.php?go=articles&id=4989