الأربعاء“ 24 أبريل 2024 - 04:23 ص - جرينتش

شروخ في جدار الوطن (21) .. رئيس بلا حزب .. وحزب بلا رئيس


بقلم/ د. عبد الولي الشميري 
الإثنين 11 فبراير-شباط 2013م

«21» 
الأمر بات جلياً واضحاً لكل عين ترى بأن مستقبل اليمن قد رسمت خريطته ولا مجال للمجهول، فتحاوروا يا قوم.. واختصروا على أنفسكم الزمن! وباتت ملامح الخطط المرسومة لمستقبل دول الربيع العربي واضحة جلية ولا مجال للمجهول، فترفقوا بأوطانكم يا قوم، فالنيران مشتعلة بين الثورات وأهل الثروات المضادة، لقد قرأ الناس عن انعقاد مجلس الأمن الدولي في صنعاء قراءات مختلفة وبمفاهيم متباينة، وكأن مجلس الأمن لم يعد يحتمل صدره ولا صبره البعد عن صنعاء، فشد إليها الرحال؛ يردد مقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي: 
(لابد من صنعاء وإن طال السفر. 
 ونقصد القاضي إلى حصن دبر). 

ومن جميل الصدف أن القاضي الذي أشار إليه الشافعي في هذا البيت المشهور هو القاضي عبدالرزاق الصنعاني المحدث التابعي الجليل صاحب المسند الكبير، الذي سكن حصن (دبر) في بلاد سنحان، التي كانت في الماضي وجهة للشافعي، فقد أصبحت في العصر الحديث وجهة مهمة للطائرات بدون طيار، وكأنها (طورا بورا) وهي المقصود الحقيقي من جبهة أعضاء مجلس الأمن الدولي، فبخ بخ لك ياسنحان. 
لقد تابع الجميع كافة التصريحات وتلك الومضات بتفاسير مختلفة، وآراء متباينة، وكل له تفسير بما يريحه ويطمئن أتباعه، لكني تمكنت من ترجمة كل الإشارات والإيماءات واختصرتها في قول الشاعر: 
يا ناطح الجبل العالي بهامته  
رفقاً برأسك لا رفقاً على الجبل 

هي رسائل تهديد أممية، وليست قبلية، ورسائل تنديد دبلوماسية، ورسالة كالطائرات الموجهة، ولكنها ليست بدون طيار، تقول الرسالة بأن قرارات مجلس الأمن وتوصياته مقدسة، وقوات الناتو جاهزة بالمفاجأة لأي احتمال، ضمن سلة المساعدات الدولية لليمن الجديد، وتلك من أهم ما يقدمه المانحون لليمن المضطرب. 
لكن أموراً مهمة فاتت مجلس الأمن الدولي أن يفكر فيها بجدية، أو أن يضع لها حلولاً أو يناقشها في صنعاء مثل: إحدى وخمسين عصابة تقطع في الطرق العامة، وثلاثين مجموعة من العصابات المنتشرة في محافظة مأرب وشبوة متخصصة لقطع خطوط الكهرباء، ومحطات توليد التيار، وأربعين مكون عصاباتي مخضرمين من بين عسكريين من التوابع وقبليين من أهل المنافع متأهبين لتفجير ما بقي من أنابيب النفط والغاز، واثنتي عشرة عصابة للتنقيب عن كابل الألياف الضوئية لقطع خطوط الهاتف والإنترنت وهلم جراً، وهذه الحالات لم يحن الحديث عنها بعد. فأصحاب الدراجات النارية أولاً. 

لقد تابعت تصريحات المفوض الدولي (جمال بن عمر) إثر رحيل أعضاء مجلس الأمن وهو ينقل رسالة واحدة عبر الأثير من جملة 9 رسائل دولية مهمة، وتلك الرسالة تؤكد المعنى لعنوان مقالي هذا (رئيس يبحث عن حزب، وحزب يبحث عن رئيس)، وأدرك السياسيون المتمرسون بأنه وبالتزامن مع موعد الانتهاء من نقل آخر قبعة للسلطة السياسية والعسكرية من الرئيس السابق وآله وصحابته أجمعين، يجب نقل قبعة حزب المؤتمر إلى الرئيس عبدربه هادي، لكي يبقى المؤتمر مؤتمراً، وليمارس حياته السياسية كما تربى منذ نعومة أظافره في حضن دار الرئاسة وفي حضانة القصر الجمهوري فقط. 

وذلك التوجه والتوجيه الخفي يأتي من باب الضربة الاستباقية التي قد يقدم عليها الرئيس السابق بإجراء دورة تسليم وتسلم لرئاسة حزب المؤتمر الشعبي من الأب للابن، طالما فشلت عملية التوريث للقصر، فتوريث الحزب أسهل. وعلى رأي المثل: (شيء خير من لا شيء)، وبئس ما يورث الوالد لولده من هم وغم وحزن، ومن قهر الرجال ومن قهر النساء، ومن شماتة الأعداء. وقد يتقسم حزب المؤتمر حينها على اثنين أو ثلاثة، ومن ثم سيلحق بالحزب الوطني المصري ما لم يتم نقل السلطة لرئاسته إلى الرئيس (هادي) الذي يحتاج إلى حزب، كما يحتاجه الحزب، وتكتمل له الخلافة في القصر والحزب، مما يضفي على ملامح المرحلة وضوحاً أكثر لمستقبل اليمن وكما قيل وبتصرف بسيط: 
أتته (الرئاسة) منقادة 
 إليه تجرجر أذيالها 
فلم تك تصلح إلا له       
 ولم يك يصلح إلا لها 
ولو رامها أحدٌ غيره       
 لزلزلة الرض زلزالها 

وخاصة أن موعد الانتخابات الرئاسية يقترب، وأطروحات التجديد لفترة جديدة بات احتمالاً غير مشكوك فيه، خاصة في ظل عدم الاتفاق على مسار آمن لنجاح الحوار، فمعظم المتحاورين مغاضبون، وبعضهم يشترطون أولاً: أن تعقر ناقة الله وسقياها، وبالتالي فلابد من حزب للرئيس يشد به أزره، ويشركه في أمره، وللضرورة سيجد المؤتمر الشعبي نفسه خارج إطار الحكم والزمن إذا لم يتحرك سريعاً نحو شارع الستين، ويبايع الرئيس هادي على رئاسته ولو من أجل بقاء الحزب الذي ولد حاكماً، مع أن الرئيس هادي أقل اضطراراً لحزب المؤتمر ليرشحه، فهو محفوف بما لا عين رأت ولا أذن سمعت من الدعم الخارجي، وما أسهل أن نعيد تزكيته أو أن يستقطب أي حزب يريد ويختار وما أكثرها، فكل الأحزاب بحاجة لرئيس ينام في القصر. 

ومع كل تلك المفجعات فليس صحيحاً أن الحوار الوطني في غرفة الإنعاش، وليس صحيحاً أن فشل الحوار الوطني يعني الحرب مباشرة، والدمار والفناء كما يصور البعض، فهناك نوازع وروادع ليس من بينها هيبة الدولة التي عجزت أن تحفظ الأمن أو أن توقف الظالم عند حده، ومنها الخوف من ثقافة القضا والسلف، ومربع المحدعش، وتوازن الرعب بين القبائل المسلحة، وهل أبقوا لنا في اليمن قرية أو قبيلة غير مسلحة؟! حتى أسماك البحر أصبحت قبيلة مسلحة تصدر البواخر المشحونة بالسلاح إلى الموانىء اليمنية دون وازع أو رادع. 

وكما أنني أوطن نفسي على فهم الواقعية في كل شيء، فلست مؤمناً بأن الخروج عن الوحدة السياسية الحالية يعني الخروج من العالم، أو الخروج من التاريخ؛ فالأيام لها إقبال وإدبار، وكر وفر، والموتورون من جميع الأطراف ينفخون الكير دون إدراك أنهم سيكونون له حطباً. 

ومع كل المحبطات فلابد من ضوء في نهاية النفق: 
وكم ليلة بت في كربة 
يكاد الرضيع لها أن يشيب 
فما أصبح الصبح حتى أتى 
نصر من الله وفتح قريب. 

shemiry@shemiry.com