الجمعة“ 26 أبريل 2024 - 07:19 م - جرينتش

د. الشميري للنور: الإبداع في اليمن موجود ولكنه مطمور


مجلة النور - العدد 165 - صفر 1426هـ - 3/2005م 
الدكتور عبد الولي الشميري للنور:
• الإبداع في اليمن موجود ولكنه مطمور.
• المبدع اليمني يعيش أجواء الجحود والتجاهل والإنكار.
• الفكرة التي قام عليها منتدى المثقف العربي هي الإسهام الإيجابي في تحريك الثقافة العربية، وانتشالها من حالة الركود التي تعيشها، وتنقيتها من كل العناصر والمدخلات غير الطبيعية التي تعيق حركتها، وتمنعها من أداء دورها كثقافة إنسانية عظيمة.
• الدكتور عبد الولي الشميري علم لا يحتاج إلى تعريف، كما أن الحديث معه لا يحتاج إلى مناسبة. 
 

في هذا الحوار تحدث إلينا عن هموم ثقافية عديدة بدأت بمنتدى المثقف العربي الذي أسسه في القاهرة، وانتهت بالعولمة وصراع الحضارات، فإلى نص الحوار: 
حاوره: عبد الغني المقرمي 
ما هي الفكرة التي قام عليها منتدى المثقف العربي؟ 
- الفكرة التي قام عليها منتدى المثقف العربي تتضح من خلال اسم هذا المنتدى، وهي الإسهام الإيجابي في تحريك الثقافة العربية، وانتشالها من حالة الركود التي تعيشها، وتنقيتها من كل العناصر والمدخلات غير الطبيعية التي تعيق حركتها، وتمنعها من أداء دورها كثقافة إنسانية عظيمة تمتلك رصيدًا معرفيًا ضخمًا، وقدرة كبيرة على الإبداع في مختلف الأجواء والظروف.
ومنذ أن تأسس المنتدى نهاية عام 2000م، وهمه الأول والأخير إبرام مصالحة مع المثقف العربي الذي يعيش حالة مزرية من التهميش والإلغاء والإقصاء، كما أن أهداف المنتدى قومية وليست قطرية، فهي تتمحور حول المثقف العربي في كل قطر، وقد وفقنا الله سبحانه وتعالى في ذلك، وتوسعت قاعدة المنتدى بتواصله مع المثقفين العرب من كل الأقطار العربية دون استثناء. 
وخلاصة القول أن منتدى المثقف العربي هو جزء من خارطة الهموم الثقافية والفكرية على الساحة العربية، وهو مقتصر في أنشطته على مضامين الثقافة والأدب والفن، لأن الظروف تحتم عليه ذلك، وتحتم عليه عدم الانجرار مع تيارات الصراعات السياسية على الساحة العربية في الوقت الراهن، وبذلك يمكنني القول هنا أن المنتدى انطلاقة فكرية ثقافية أدبية فنية مفتوحة لكل عربي يود أن يؤدي دوره في هذا المضمار. 


سبق وأن قمتم بتأسيس مؤسسة (الإبداع) الثقافية في صنعاء، فهل المنتدى بديل عنها أم فكرة مطورة لها؟ 
- الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فمؤسسة الإبداع الثقافية تؤدي دورًا ثقافيًا هامًا بعكوفها على تحقيق كثير من كنوز التراث، وإعداد موسوعة أعلام اليمن، وإقامة بعض الفعاليات الثقافية بين الحين والآخر على مستوى اليمن، ومنتدى المثقف العربي يؤدي دوره في قاهرة المعز بظروف وأجواء ومهام مختلفة، وخاصة أن خطابه الثقافي خرج عن نطاق المحلية اليمنية إلى آفاق أوسع وأرحب هو أفق الخطاب الثقافي العربي بكل مضامينه ومفرداته. 
ولا يعني ذلك أن المنتدى والمؤسسة بينهما بعد المشرقين، فهناك مشاريع إصدارية مشتركة حققت إلى الآن أكثر من عشرة إصدارات، ولا يزال في الجعبة الكثير بإذن الله. 


من خلال تتبعنا لعدد من أعلام اليمن في المهجر يلاحظ أنهم برزوا في مهاجرهم بشكل أكبر مما كانوا عليه في اليمن، فهل لذلك سبب في نظرك؟ 
- هناك مثل يقول: (مغني الحي لا يطرب)، وأنا أستطيع أن أقول لك أن الإبداع في اليمن موجود ولكنه مطمور، ومتجاهل، والمبدع اليمني حين يعيش هذه الأجواء أجواء الجحود والتجاهل والإنكار فإن ذلك ينعكس على إبداعه وعطاءاته، فتضمر موهبته، رويدًا رويدًا وقد تصل إلى مرحلة التلاشي، لكنه حين يخرج إلى أجواء ثقافية صحية، فإن موهبته تتفتح وتتسع باحتكاكها بالآخرين أولا وبقدرتها على العطاء في مختلف المجالات ثانيا. 
وأنا أتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه المبدع اليمني مبدعًا في وطنه، وأن تسخر له الإمكانيات المطلوبة حتى يستطيع أن يؤدي دوره في صناعة الحياة. 


ماذا عن موسوعة أعلام اليمن وإلى أين وصلتم فيها؟ 
- موسوعة أعلام اليمن أعتبره بالنسبة لي مشروع العمر، أو قل هو جزء من مشروع العمر حيث أن الطموح يتعدى إلى موسوعة أعلام العرب كل قطر على حدة، وقد بدأت بموسوعة أعلام اليمن لاعتبارات كثيرة أهمها أن فن التراجم – تراجم الأعلام والشخصيات – في اليمن لم يأخذ حقه من الاهتمام، فهناك أعلام جهابذة توزعت أخبارهم في بطون كتب شتى ومن حقهم علينا أن تجمع هذه الأخبار وتنسق في موسوعة تشير إليهم، وتحتفي بهم. 
وعلى كل فإن فن التراجم لدينا أخذ فيما مضى مناحي عديدة منها المنحى الزماني، والمنحى المكاني، فأصحاب المنحى المكاني تقيدوا بالمكان وأهملوا أعلامًا عاشت في نفس الزمن كان من حقها أن يترجم لها، وأصحاب البعد الزماني أطروا كتاباتهم في حيز زماني لم يتعدوه ومن ثم فإنهم لم يشيروا إلى عمالقة عظماء خارج أطرهم الزمانية، ومن أمثلة النوع الأول: المفيد في أخبار صنعاء وزبيد لعمارة الحكمي، وبغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد لعبد الرحمن الديبع، ومن أمثلة النوع الثاني: كتاب النور السافر في أعلام القرن العاشر لشيخ بن عبد الله العيدروس، والبدر الطالع للإمام محمد بن علي الشوكاني، ونيل الوطر لزبارة. 
على أن هناك كتبًا حاولت أن تجمع بين الإطارين الزماني والمكاني لكنها لم تذهب بعيدًا عن النوعين المذكورين، إذ انحصرت زمانًا ومكانًا، ومن أمثلة هذا النوع كتاب: أنباء الزمان في من رحل من علماء بيحان عبر قرنين من الزمان، لعبد الله عبد القادر باوزير. 
كما أن هناك كتب أخرى في التراجم دارت على نطاق أسري مثل كتاب المشرع الروي للشلي، وكتاب صلة الأهل في مناقب آل بافضل لمحمد بن عوض بافضل. وهناك كتب ظهرت بإطار مذهبي كما في كتاب أعلام المؤلفين الزيدية للأستاذ عبد السلام الوجيه. 
والحقيقة أن هذه الاتجاهات تؤدي دورًا هامًا في التراجم لا يستهان به كلا على حدة، لكن دورها مجتمعة لا شك أنه سيكون أكثر فائدة، ومن هنا بدأت فكرة موسوعة أعلام اليمن، فنحن في الموسوعة لم نتقيد زمانيًا ولا مكانيًا وإنما فتحنا الباب على مصراعيه، فكل علم يمني ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة هو ضيف شرف على الموسوعة، ابتداء من فجر التاريخ وانتهاء بالأعلام المعاصرين، كما أن الموسوعة لم تفتح أبوابها للعلماء والملوك فقط – وهم الذين استأثروا بمعظم كتب التراجم القديمة – وإنما استدعت كل الأعلام اليمنية في مختلف مجالات الإبداع العلمية والسياسية، والفكرية والأدبية، والرياضية والفنية. 
وإذا كانت كثيرًا من كتب التراجم قديمًا وحديثًا قد انطلقت من منطلق زماني أو مكاني أو مذهبي أو عشائري أو غير ذلك مما يؤثر في كتابة التاريخ فإننا في الموسوعة قد حاولنا قد الأمكان أن ننطلق من منطلق تاريخي بعيد عن المدح أو القدح، وبعيدًا عن المغالاة التي أفقدت كثيرًا من كتب التراجم موضوعيتها. 
وأستطيع القول الآن أننا قد ترجمنا لكل أعلام المصادر التاريخية، ولم يتبق لدينا إلا الأعلام المعاصرين، ومن ثم فإنني من خلال مجلتكم الموقرة هذه أدعو كافة العلماء، ودكاترة الجامعة، وأصحاب المواهب والمؤلفات المطبوعة، وغيرهم أن يسرعوا في تقديم تراجمهم إلينا عبر مؤسسة الإبداع حتى يتسنى لنا إدراجها ضمن الموسوعة التي حملت الآن على شبكة الإنترنت، ويتوقع صدور طبعتها الأولى في مجلداتها العشرة خلال الأشهر القليلة القادمة. 


أشرتم إلى أنكم تنوون إصدار موسوعة شاملة للأعلام العرب، فهل هناك مشروع قائم لأعلام قطر آخر إلى جانب موسوعة أعلام اليمن؟ 
- أنا لم أقل أنني أنوي ذلك، ولكنني قلت أنني أطمح إلى ذلك، وفرق كبير بين النية والطموح، ومع ذلك فإني أقول لك أن النية قائمة الآن في مشروعين كبيرين: هما موسوعة أعلام اليمن التي أنجزنا قرابة ثمانين في المائة منها، وموسوعة أعلام مصر التي أنجزنا قدرًا لا بأس به منها. 
والحقيقة أن مثل هذه الموسوعات تتطلب إمكانات كبيرة، أو قل إمكانات دولة، إضافة إلى الوقت والجهد. 


لكن ألا ترى أن مسألة اختيار الأعلام المعاصرين تحديدًا محرجة بالنسبة لكم؟ 
- لا.. فالمسألة قائمة على منهجية علمية بحتة، ترتكز على شروط محددة، فإذا ما استوفت الشخصية هذه الشروط اعتبرت علمًا بعيدًا عن أي اعتبارات أخرى، ومن ثم فإن مثل هذه المنهجية قد اعفتنا من أي إحراج قد يحدث في اختيار الأعلام. 


يلاحظ أنكم رغم انشغالاتكم الجمة، وخاصة في عملكم كمندوب لليمن في جامعة الدول العربية إلا أن علاقتكم بالكتابة والتأليف وبالشأن الثقافي عمومًا قائمة على أشدها فما السر في ذلك؟ 
- هو ليس سرًا، ولكنه استغلال للوقت، وتنظيم للمهام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنا عاشق مغرم للفكر والثقافة، وهذا يدفعني دون تكلف إلى أن أشد على يد أبي الطيب المتنبي وأنشد معه: "وخير جليس في الزمان كتابُ".
فعلاقتي بالكتاب قراءة وكتابة قائمة ومستمرة، ولا أعتقد أنني أستطيع التخلي عنها يومًا ما، والله نسأل التوفيق والعون. 


يعاني المثقف العربي من تهميش واستلاب، فكيف تنظر إلى ذلك؟ 
- المثقف العربي لكي يعيش رافعًا صوته عليه أن لا ينتظر عونًا من أحد، بل عليه أن يعتمد على نفسه وأن يثبت ذاته إثباتًا إيجابيًا، وخاصة المثقف المبدع الذي يمتلك وسيلة معينة للتعبير عن ذاته. 
إن خفوت صوت المثقف العربي يرجع إلى أنه انكفأ على ذاته، وانسحب من مواقع التأثير والعمل إلى زوايا الندبة والتباكي، تحت ذرائع كثيرة منها: الاستلاب، والتهميش والإقصاء، وما شابه ذلك. 
مشكلة المثقفين العرب أنهم إلى الآن لا يزالون يمارسون التجريب في الفكر والثقافة والأدب، ولم يصلوا إلى صيغة فكرية توفيقية تلم شتاتهم، وتخرجهم من دوامة التيه الذي يعيشونه. 
مشكلتهم أنهم لا يعرفون أهدافهم معرفة حقيقية، وإلا لما ترنحوا في هجير التغريب، فالمعرفة الحقيقة لما ينبغي أن يكون عليه المثقف تمنحه بصيرة، وفاعلية، وتخرجه من دوائر التواكل إلى ساحات المشاركة الحقيقية، ولنا في كل أعلام الشعر والأدب في العصور العربية الأولى خير مثال وشاهد. 


كيف تنظر إلى مستقبل الثقافة العربية في عصر العولمة؟ 
- العولمة نتاج طبيعي لثورة الاتصال التي حولت العالم إلى قرية كونية تتلاقح فيها الأفكار، والمبادئ والقيم، والمعتقدات، وفي اعتقادي أن العولمة أخذت تعريفات شتى، أو قل أهدافًا مختلفة، فالدول القوية ترى في العولمة أسلوبًا لفرض مبادئها في السياسة والاقتصاد والفكر والفن والاجتماع على الدولة الضعيفة التي تستلب حضاريًا تحت يافطة العولمة، وتجرد من كل خصائصها حتى تصبح نسخة مشوهة قيميا واقتصاديا وفكريا وسياسيا وفنيا لتلك الدول القوية، لأن وضعها المتسم بالضعف لن يتيح لها إلا أن تحاكي الأمور السطحية التافهة للدول القوية أما الأمور الأخرى كالتقدم العلمي، والتكنولوجي فإنها غير مؤهلة لمحاكاته، بل إن الدول الكبرى نفسها ستحول دون ذلك. 
إذا فالعولمة في مفهوم الدول الكبرى أو قل في مفهوم الغرب هو فرض النموذج الغربي وإلغاء الآخر، وهو منطق القوي على الضعيف كما يقولون. 
في أجندة الفكر العربي المعتدلة تنطلق العولمة من تحول العالم بفضل الانفجار المعرفي والاتصالي إلى مجتمع واحد، ولأن هذا المجتمع ينبغي أن يصل إلى مشترك قيمي واحد واجتماعي واحد وسياسي واحد واقتصادي واحد، و.. و.. إلخ، فإن الطريقة المثلى للوصول إلى هذا المشترك الذي يحكم هذا المجتمع الإنساني الكبير هو مسألة الانتخاب الطبيعي، أي البقاء للأصلح ثقافة وسياسة واقتصادًا، و.. و.. وفي رأيي أن الثقافة العربية والفكر العربي يمتكل كل مقومات البقاء، والديمومة والاستمرار، ومن الصعب بل ومن المستحيل تجاوزهما، ومن ثم فإنه لو سمح لتيار العولمة أن يسير سيرًا طبيعيًا فإن الفكر العربي إجمالا سيحتل مكانة مرموقة في أساسيات الفكر الإنساني. 
ما يقوله الواقع الآن أن الغرب يحاول فرض قيمه علينا بشتى الوسائل والطرق، ودعني أتحدث عن جانب واحد فقط هو جانب الأدب والفن، ألا ترى معي أن النموذج الغربي هو المسيطر على مساربنا الأدبية والفنية، وأن هناك إلحاحًا مستمرًا على تكريس هذا النموذج، ومرور عابر على الفضائيات العربية يكفي شاهدًا على ذلك. 


فماذا عن صراع الحضارات؟ 
- صراع الحضارات اختراع غربي، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الغرب للعولمة، فالغرب حين يريد فرض مبادئه وقيمه على الأمم الضعيفة إذا واجه مقاومة ما من الأمم التي ترفض الذوبان والتماهي في الآخر ينزل عليها أشد العقوبات تحت يافطات شتى ومسميات عديدة، وهو يعتبر مظاهر المقاومة في معركة الحفاظ على الهوية لدى الأمم والشعوب صراعًا لأنها في نظره لابد أن تستسلم. 
الفكر العربي على امتداده خال من هذه العقدة عقدة صراع الحضارات لأنه ينطلق من فهم أصيل وواضح لأسس نشوء الحضارات، وتلاقحها، وتأثرها وتأثيرها مع الآخر، ويؤمن أن أساس بقاء أي حضارة هي قيم الحق والعدل والخير والجمال والحرية. 
كما أن مصطلح الصراع مصطلح عدائي استفزازي، والإنسانية اليوم أشد ما تكون حاجة إلى رأب الصدع، ومعالجة الأدواء والعلل، ولابد من إطار إنساني يلبي لها هذه الرغبة، ومن ثم فإن صراع الحضارات في رأيي فكرة ولدت ميتة، ولن يلبث الفكر الإنساني أن يتجاوزها إلى الأبد. 


هل من كلمة أخيرة تودون قولها في هذا اللقاء العابر؟ 
- أشكر لمجلة النور إتاحة هذه الفرصة، وأتمنى لها مزيدًا من العطاء في مشوار الكلمة الشريفة التي جعلت منها ميثاقًا صحفيًا، ودستورًا فكريا منذ البدء.