الأربعاء 2/3/1436 هـ - الموافق 24/12/2014 م (آخر تحديث) الساعة 19:16 (مكة المكرمة)، 16:16 (غرينتش)
عبد الغني المقرمي-صنعاء
أكد الشاعر عبد الولي الشميري، رئيس مؤسسة الإبداع بصنعاء، أن الثقافة العربية بخير رغم التحولات التي مرت بها، وأنها لا تفقد نبلها المعرفي بالتباينات، وإنما تفقده إذا غادرت فضاءات الفكر إلى أقبية الفرز العقائدي.
وقال في حوار له مع الجزيرة نت إن ما بقي للثقافة وسط دوامة العنف التي يمر بها اليمن "كل شيء، بشرط أن لا تغادر فضاءها الإنساني، وأن لا تتحول من رائد تنوير إلى مسخ ذليل وخادم مطيع للأجندة التي تمارس دور الذابح للثقافة وللمثقف في آن".
وأضاف، تموت الثقافة حين تنسلخ عن حقيقة وجودها، وحين تنزل من العلياء، وترضى باللجوء إلى أقبية الفرز العقائدي وخنادق المواقف تحت أي لافتة كانت.
الثقافة تتنفس
وتابع قائلا، "أنا مؤمن تماما بمثقفي اليمن، وبأن الثقافة التي يحيون بها، محصنة بالوعي، وما زالت تتنفس تآلفا وتعايشا وإيمانا بحق الآخر في الحياة، وفي التعبير عن هذه الحياة، وبقليل من التأمل في المشهد الثقافي اليمني ندرك هذه الحقيقة في لقاءات الأدباء والمثقفين، التي تجمع ألوان الطيف الفكري في فسيفساء مذهلة، تتحاور فيها الألوان، وتتكامل الأشكال، وتعيش الرؤى تقاطعات وتباينات متعددة".
ويعتقد المقرمي أن "الثقافة لا تعيش صقيع القطيعة، فهي آخر معاقلنا التي ينبغي أن تظل حصينة منيعة على عواصف الموت، فتظل مفتوحة للجميع، وفي اتّساع دائم".
كما يرى أن المشهد الثقافي العربي العام، واليمني بوجه خاص، يشهد تحولات كبرى من شأنها أن تعمق الهوة بين شرائح المثقفين، وأن تجعل من التخندق خلف الآراء والأفكار خصومة إجبارية لا يمكن الانفكاك منها.
حضور الوعي
وبشأن التخندق خلف المواقف والآراء، قال الشاعر اليمني، "ليس ثمة خوف من حالات التخندق تلك، فهي سمة لازمة لاختلاف الرؤى، بل إن الثقافة وهي في أعلى تجلياتها الإيجابية تعيش حالات التخندق هذه وبكل عنفوان".
وأضاف، "في قراءاتنا المتأنية لتاريخ الثقافات الراشدة نجد هذه التخندقات حاضرة وبقوة، لكن حضور الوعي فيها يجعل منها سيمفونية واحدة موحدة، وفي اعتقادي أنَّ المشهد الثقافي العربي رغم الخيبات المتتالية التي يعيشها، ما زال في حالة رشد وعافية، وليس أدل على ذلك من تلك النجوم المبدعة التي لا تزال تشرق بما يذهل ويدهش، وبما نعده إضافة للراهن الثقافي".
ولكنه أضاف، "إذا كانت الخصومة في الثقافة أصبحت بما نشهده من تحولات حالة إجبارية لا مناص منها، فليس ثمة خوف منها طالما استوعب المثقف شرف الخصومة من جهة، وكانت خصومته في سبيل الحقيقة من جهة ثانية، ونأى عن الحدية الفكرية من جهة ثالثة".
"المشهد الثقافي العربي رغم الخيبات المتتالية التي يعيشها، ما زال في حالة رشد وعافية، وليس أدل على ذلك من تلك النجوم المبدعة التي لا تزال تشرق بما يذهل ويدهش، وبما نعده إضافة للراهن الثقافي"
العمل الثقافي
وأشار إلى أن الخطوط الفاصلة بين الرؤى والأفكار هي بوجود الوعي ونقاط التماس الحميمية، ولا يمكن أن تفقد خصوصيتها الدافئة إلا حين يخلع المثقف كينونته، ليلبس عباءة أخرى لا علاقة للثقافة بها.
وفي رده على سؤال عن أن البحث عن الشهرة يفوق الإيمان بفاعلية الثقافة لدى كثير من أصحاب المشاريع الثقافية الخاصة، ورؤيته لذلك من خلال قيامه على مؤسسة الإبداع في صنعاء ومنتدى المثقف العربي في القاهرة؛ أجاب بأن "العمل الثقافي في ظل وضع معقد ومضطرب مثل الوضع الذي نعيشه اليوم ليس سهلا، بل يمكن القول إنه شاق ومكلف، ويتطلب من الوقت والجهد أضعاف ما يحتاجه نيل شهرة تحت أي لافتة".
واعتبر أن "الجمع بين المبدع والمتلقي أصبح تحت سقف واحد غاية دونها الأهوال الجسام، فانصراف المتلقي عن المبدع بعد أن فقد ثقته فيه، ويُتْم المبدع بعد أن انفض عنه جمهوره لأسباب كثيرة ومتشعبة، أفرزا يباسا ثقافيا موحشا خاصة بعد أن تخلت المؤسسات الثقافية الرسمية عن دورها، واكتفت بمناسبات الاحتفاء".
تراجع القصيدة
وتناول الشميري المؤسسات الثقافية الخاصة ومنها "مؤسسة الإبداع"، وقال إنها "تأتي كإسهام متواضع لإعادة الثقة بين المبدع والمتلقي بعيدا عن الشخصنة، والصنمية الفكرية، وهي في مجمل فعالياتها تصب في خدمة المواهب الحقيقية المغمورة، ولمّ شمل المثقفين، وإتاحة منابر ثقافية للأشكال الأدبية كي تتحاور وتتواصل، وليس في ذلك أدنى عمل دعائي لأي كان".
وحول ما يقال عن القصيدة العربية وكونها بدأت رحلة تراجع مخيف ينبئ بمآلات مخيفة، علّق الشميري بالقول، "لا شك في أن الأدب تراجع لصالح الصورة، فلكل عصر أداته الفنية، وأداة هذا العصر هي الصورة بتقنياتها وتشكلاتها المختلفة، ولا شك في تراجع القصيدة في المشهد الثقافي العربي لصالح السرد، غير أن تراجع القصيدة هنا وهناك، لم يفقدها حضورها وألقها، فلا تزال حية ترزق".
وتابع، "ما زال الشعر ديوان العرب، إلا أن التحدي أصبح أمام الشعراء الآن أكبر بكثير مما كان عليه في العصور السابقة، فليس من المنطق أن ننافس أشكال التلقي التي يغلب عليها الجانب السمعي البصري بنماذج شعرية واهنة، تستأثر بالمعنى في بطن الشاعر، وتترك القارئ مثل الأطرش في الزفة، كما يقول المثل العربي".
وفي تناول المشهد الشعري اليمني وموقع الأصوات الشعرية الشابة، تحدث الشاعر اليمني عن وجود أصوات في غاية الروعة، تمثل مختلف مسارات القصيدة، غير أنها مغمورة، وتعيش مناخات الإهمال والنسيان، وبرغم الأجواء التعيسة تأبى هذه الأصوات إلا أن تعلن عن حضور طاغ يبشر بإشراق قادم سيكون له مقامه الباذخ على مستوى المنجز الشعري العربي العام، "مما يجعلني أجزم وبكل ثقة أن لا خوف على الشعر في اليمن".