الخميس“ 25 أبريل 2024 - 05:40 ص - جرينتش

حنين


لله الأمر من قبل ومن بعد.

فإني منذ كنت في مراتع الطفولة، ومرابع الصبا، علّق الله فؤادي بلغة الفصحى، لغة التنزيل المقدس من العزيز الحكيم، لسان نبيه محمد، نبي التوحيد والبيان عليه الصلاة والسلام.
وتعلق فكري وذوقي بالقريض الشعري، من نصوص الأدب العربي المتينة لفظًا ومعنى، في شتى الأغراض الحماسية والشاجية، ومازلت أحفظ بعض المطارحات الشعرية من مجالس الأسمار وأخبار المنازل والديار، منذ نعومة أظافري، وقد كانت مفردات الحنين، ومثيرات الشجو من أدب العرب وحنينهم تتقاطر على وجداني كتقاطر الندى في خُدود الورد.
ولم يشغلني شاغل أو يصرفني صارف عن تلك المناهل العذبة التي ساعدت على نمو الحب إلى حد الوله بوطني، وأمتي، وبلادي.
وكلما ازدادت صرامة الحياة، وتنوّع المهام، وتكاثرت الشواغل، زاد غرامي، وولائي حتى أصبح شغفي هوى يحاصرني، وعشقًا للحنين يلازمني، ونزوعًا إلى أدب المهاجرين المتغزلين بأوطانهم، وكلما سافرت عن وطني الأول، وجدت نزوعي إليه يجبرني على التغني بحبه، ويخامر وجداني عشقه، حتى تشيعت لهواه، ودفعني ذلك الشغف الهتوف لاقتناء كل كتب الحنين إلى الأوطان وهي كثيرة، وجعلت أقلب فيها النظر، وأنعم السمع والبصر، حتى شاطرت أولئك المحبين الذين غلت مراجل العشق في مهجهم، ونثروا أرواحهم في تضاعيف قصائد حنينهم وحبهم.
وجدت نفسي في معتقل الحنانين، وهم حولي بين متأوهٍ وشاك، وباك من البعد والحنين، وبين فرح مبتهج بالعودة إلى وطنه، حتى فهمت أحاديث النجوم، ومناجاة القمر، وبوح البلابل، ونوح الحمام.