السبت“ 20 أبريل 2024 - 12:25 م - جرينتش

د. الشميري لجريدة الجمهورية : يوم الوحدة كان في نظر الطرفين يبدأ بإقلاع الآخر


التاريخ: الأحد 13 ربيع الآخر 1426هـ . 22/5/2005م
المصدر: صحيفة الجمهورية - تعز العدد 13010

في البداية أحيي صحيفة الجمهورية التي كانت أول صحف اليمن التي فتحت عيني عليها يوم كنت ريفيًا لا أعرف الصحف ولا أسمع بها إلا الجمهورية، وأشكر لك نجاحها وتطورها.
س: ونحن نحتفل بالعيد الخامس عشر لوحدتنا المباركة في الثاني والعشرين من مايو 2005م هل لكم سعادة السفير أن تحدثونا عن:
- الوحدة اليمنية كأعظم منجزات شعبنا في العصر الحديث.
- أبرز المحطات الهامة في وحدتنا المباركة.
- أبرز المهام المناطة بنا كشعب للحفاظ على الوحدة والديمقراطية.
جـ: الوحدة اليمنية لا أعتقد أن أحدًا ما من أصحاب العقول والقلوب السليمة والمحايدة يختلف معنا على أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية يعتبر ميلادًا جديدًا للأمة اليمنية، وصِمام أمان لمسيرة البناء الحضاري في عصرٍ لا مكان فيه للمتشرذمين والمشطورين.
والوحدة اليمنية درة تاج عصر الرئيس علي عبد الله صالح، وشامة المنجزات المعاصرة على أرض اليمن السعيد، لقد عاشت الأمة اليمنية قبل تحقيق الوحدة في حالة من التوتر، والخوف والقلق، بل كان أبناء الوطن الواحد واقعين تحت تأثير عواصف العداوات الدولية بين حلف الناتو ووارسو، كان الشمالي في نظر الجنوبي إمبريالي، وعميل مرتزق، وكان الجنوبي في نظر الشمالي ماركسي، وملحد، ودموي، وكانت طبول الحرب، وأجواء الموت تجوب السنوات والليالي والأيام بين نظامين متناحرين، كلٌ منهما لا هم له إلا الصمود في معركة المواجهة مع النظام الآخر.

س: ذكرياتكم عن الوحدة منذ أن كانت حلمًا، فمشروعًا إلى خطوات عملية باتجاه تحقيقها.. وصولا لتحقيقها.
جـ: ذكرياتي من عهد التشطر قبل الوحدة ذكريات لا تتسعها آلاف الصفحات، ولا عشرات الكتب، مازلت أختزن في جسدي بقايا الشظايا، وفي أنفي بقايا روائح دخان الألغام الممزوج بدماءٍ يمنية بريئةٍ طاهرةٍ طهر الحرم.
وقبل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو بعشر سنوات، بل بثماني سنين، كانت الجبال في الريف مشتعلة بنيران المدافع والصواريخ، وكان هدوء الليالي الحالمة في الريف اليمني مفقودًا بل ممزقًا بأصوات القصف وهدير الأسلحة.
وقرية كانت ضد قريةٍ، وأسرةٌ ضد أسرةٍ، وكل يرى أن موقفه محققُّ، وأن عمله ذلك دفاعًا عن الوحدة، ومن أجل تقريب يوم الوحدة اليمنية، ولكن الطريق كانت في نظر الطرفين تبدأ من اقتلاع الآخر، لا من التفاهم والتحاور معه.
كان أصدقاؤنا من الدول العربية والقوى الدولية الكبرى، تقف كل دولةٍ تربطها صداقات بأحد الشطرين مع صديقتها موقفًا عسكريًا تدعمها بالسلاح والذخائر، لا بمنشآت الوعي والصحة، والتعليم.
كان الآخرون في المعسكرين الشرقي والغربي يعتبرون الشريط الشمالي الملتهب يمثل خط الدفاع للناتو على حدود الشطر الجنوبي، ويعتبرون الشريط الجنوبي خط دفاع لحلف وارسو على حدود الشطر الشمالي.
كانت الخارطة اليمنية عبارة عن بقع داميةٍ شنعاء في ثوب الزمن كما صورها الشاعر، وكان الشطر الجنوبي عبارة عن معتقل لا يجوز لسكانه مغادرته إلا بضمانات باهظة، وكفالةٍ مضمونة بعودتهم، وكأنه معتقل يقضي عقوبة في بلاده بالسجن مدى الحياة لأنه عندما يخرج لا يرغب في العودة لوطنه، بل يتنفس الصعداء، وكان سكان الشمال يستحيل عليهم أن يفكروا في زيارة أهلهم وأقاربهم في الجنوب.
وفيما أذكر أن اللقاءات السياسية التي كانت تتم بين وقت وآخر بين قادة الشطرين تحت شعار العمل على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، أو لجان الحوار، أو لجان مشتركة، كانت لقاءات تدعو للسخرية والإحباط، حيث كانت اللجان تلتقي روتينيا على الدوام، وفي الوقت ذاته الحرب مشمرة عن ساعدها في كل جبل وواد، وكان السماع عن لقاءات للحواريين الشطرين من خلال لجانٍ يُضحك كل من يسمعُه، وكانت متاريس الطرق ونقاط التفتيش العسكرية في كل مسافة عشرة كيلومترات تقريبًا على طول البلاد وعرضها، كانت أخبار القتل والدمار، وتوجسات الحرب هي الأطغى على هواجس الناس، والدعم المادي الذي كان يرد إلى الدولتين في شكل قروض، ومساعدات كان لا ينعكس على البنى التحتية، ولا ينفق في بناء المؤسسات والخدمات، ولكن كان ذلك يفيد منه في الأغلب الجواسيس في الشمال للجنوب، وفي الجنوب للشمال، وكان التجسس والتسلح هما أكبر منجزات فترات ما قبل 22 مايو 1990م، والجهود التي بذلت لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية من حكومتي الشطرين، كانت على موسمين فقط، الموسم الأول عام 1972م، بعد حرب بين الشطرين ضروس، كان جانب الشطر الشمالي هو المتفوق عسكريًا، وضغط بالقوة التي كانت مدعومة بزحف قبائلي كبير، ولذلك كان شديد الإصرار على الوحدة الفورية بصفته الأقوى، والأقوى هو الذي يحظى بنصيب الأسد، وتحسب له، وكان على رأس الشطر الجنوبي سالم ربيع علي، وعلى رأس الشطر الشمالي القاضي عبد الرحمن الإرياني، والموسم الثاني كان عقب حرب ضروس أيضًا بين الشطرين في 1979م، وكان الجانب الجنوبي هو المنتصر في الحرب، لأنه كان يعتمد على تنظيم سياسي محارب في أوساط الشمال، وأجنحة عسكرية في الجيش حزبية، وعتاد سُوفيتي حديث، وكان على رأس الحكم في الجنوب عبد الفتاح إسماعيل، وفي الشمال كان الرئيس علي عبد الله صالح في الأشهر الأولى من حكمه، وحاول عبد الفتاح إسماعيل يضغط بالقوة، وانتهز فرصة النصر والتفوق، بأن يطالب بوحدة فورية خلال شهر لأن الجانب المنتصر هو الذي يملي شروطه ودون شك سينال نصيب الأسد، وكان اللقاء التصالحي في الكويت بين الرئيسين، لقاءً فيه من الدروس والعبر الشيء الكبير، ما زال محفورًا في ذاكرتي بكل أمل وألم، ولكن سرعان ما وضعت الحرب الرسمية بين الجانبين أوزارها في شكل جيشين، حتى قامت حرب في الشمال أهلية أنكى وأمر، لم تكن في المدن، ولكنها كانت حربًا ريفية مؤلمة، تهدف إلى اسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح في صنعاء، طبعًا كانت المنظومة السوفيتية تبارك وتدعم تلك الحرب.

 


س: هل يوجد تاريخ مكتوب لهذه الصراعات الداخلية وملابساتها؟
جـ: نعم لقد كتبت كتابًا توثيقيًا وتحليليًا عن حرب الريف في اليمن، سميته حرب الأيدلوجيات وصراع النفوذ، وأعتقد أن الوقت قد حان لنشره.
اليوم أتذكر تلك الفصول المريرة من حياة الشعب اليمني، وأحمد الله سبحانه على تحقيق الوحدة في حياتنا، وكنت لا أحلم إطلاقًا أن يلحقني يومها كنت أتمنى أن أرى وطني في الجنوب، وأكحل عيني برؤية جبال ردفان، وأعطر أنفاسي بأريج لحج وعدن، وأقرأ عن وطني في الجنوب، وكأنه ليس على مرمى البصر، ولكن كما لو كان في البحر الكاريبي، أو في المتجمد الشمالي، وكذلك كان بعض أهلنا في الجنوب يتمنون زيارة أهلهم في تعز والحديدة وصنعاء، وكانوا يبكون حينًا لمعرفة شطر جسد وطنهم الآخر، وباختصار من لم يذق مرارة التشطير، وآلام ما قبل 22 مايو فإنه لن يعرف قيمة الوحدة اليمنية كاملة، ولا يتذوقها كمن عاش وعانا ظروف التشطير قبل الوحدة، وهنا فإن الحفاظ على الوحدة اليمنية حفاظ على الكرامة والسعادة والمستقبل، هي أمان دائم للأجيال القادمة، وأحذر من شعارات ودسائس الناقمين على الوحدة لأن شعاراتهم، ودسائسهم تأتي بدافع الطمع في عودتهم للتسلط والاستبداد، ولأنهم فقدوا السيطرة على كبت الحرية، والهيمنة على مصالح الشعب، فالأشخاص والأنظمة والحكام يتغيرون ويأتون ويذهبون، لكن وحدة الشعب اليمني وأمنه واستقراره وتقدمه هي الأساس وأهم ما يجب مراعاته والحياة من أجله.


س: يقود فخامة الأخ/ علي عبدالله صالح – رئيس الجمهورية سفينة الوحدة.. فهل لكم أن تعددوا لنا أبرز سمات الأخ/ علي عبد الله صالح كإنسان، ورئيس، وقائد، وأبرز المحطات والمواقف الوطنية التي اجترحها فخامته قبل الوحدة، وبعدها والدور العربي الهام الذي يقوم به فخامة الأخ الرئيس لنصرة القضايا العربية والإسلامية، بالتأكيد هناك مواقف وذكريات جمعت بينكم وفخامة الأخ الرئيس، فلو أمكن أن تذكروا بعضًا منها لو رأيتم أن بالإمكان سردها؟
جـ: الرئيس علي عبد الله صالح يوم تولي حكم اليمن سنة 1978م كنت أسميه الانتحاري لأنه كان من الطبيعي بحكم ظروف تلك الفترة العصيبة والعصيَّة، والدامية أن يغامر بحياته في أي لحظة خاصة، وأن عمليات اغتيال الرؤساء في اليمن كانت مألوفة بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، والرئيس أحمد الغشمي، كنا نتوقع استمرار مسلسل اغتيالات الزعماء، لأن التدابير الاستخباراتية لأعتى مخابرات في العالم، هي مخابرات ألمانيا الشرقية، كانت مضطلعة بالتخطيطات المذهلة لأساليب المفاجئآت والمغامرات للإطاحة بأي زعيم لا تقبل به منظومة السوفيت، كانت تلك المخابرات بأيدي الناقمين على تولي الرئيس علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية، كانت السنوات الأربع الأولى من حكم الرئيس علي عبد الله صالح تحمل تأريخًا مذهلا من المغامرات، والأهوال، فقد قدم إلي كرسي الرئآسة ودماء أسلافه من الرؤساء ما تزال طرية، وجراحات محافظة تعز ريفًا ومدينة نازفة إثر مجزرة الحجزية خلال تمرد عبد الله عبد العالم والنوادب في كل ناحيةٍ على زعماء المحافظة. وواكب ذلك عدة تمردات في وحدات عسكرية كانت معدة من قبل لأشخاص أو لتيارات نقيضة، وقام في صنعاء انقلاب كاد ينجح في الإحاطة بحكم الرئيس علي عبد الله صالح بعد توليه مقاليد الحكم بشهرين، وإثر الإطاحة بذلك الانقلاب وقادته قامت الحرب الشاملة بين الشطرين، وفي ظل أوضاع داخلية سيئة للغاية، وأوضاع خارجية أسوأ بكثير، وما أن وضعت الحرب أوزارها بين غالب ومغلوب حتى انفجرت حرب الريف في كل محافظات تعز، وإب، وصنعاء، والحديدة، والبيضاء، وذمار وتساقطت مديريات بكاملها من يد الدولة، وفي أوج سعار الحرب الأهلية ضربت محافظة ذمار زلزلة شديدة دمرت مدنًا وقرى، وزلزلت معها الاقتصاد اليمني وخلخلت القدرة الدفاعية، ورغم توالي المئآسي، وكثرة المئآزق وتلاحق الشدائد كان الرئيس علي عبد الله صالح يصلب عوده، ويشتد ظهره، ويتكاثر أنصاره، وهو يسبح باليمن في محيط من المشاكل والهموم. صدقني أنني لا أكاد أصدق ذاكرتي ووثائق أرشيفي لكثرة الفارق الكبير بين ما كان، وبين ما هو كائن اليوم بعد عشرين عامًا. لقد نجى الرئيس علي عبد الله من الطوفان، والانتحار، ونجى معه الشعب اليمني، ونجت الوحدة اليمنية، وفي غمار تلك الأوضاع غير الطبيعية بدأت الدعوة إلى لجنة الحوار الوطني، وصياغة الميثاق، وأُنشئ تجمع المؤتمر الشعبي عام 1982م حضرنا المؤتمر الأول لتأسيس المؤتمر في الكلية الحربية بالروضة وحول كل منا عشرات المسلحين من الحراس، والأوضاع في الريف ما تزال ملتهبة، كنت أعجب من ركوب المتناقضات، والمصارعة في ميادين متعددة، وفي وقت واحد.
كانت الحركة التكتيكية للرئيس علي عبد الله صالح، غير مسبوقة في بناء، وهدم مراكز القوى، ومع، وضد هذه القوى أو تلك، قد ألحقت ارتباكًا في أطراف الصراع الأخرى، وبدت اللعبة أكثر تعقيدًا، وفي سنة 1984م قدم الرئيس أولى مفاجآت الاقتصاد الجديدة باشعال إنتاج النفط في حقل جنة، بعد أن استتب الأمن تدريجيًا في الشمال، ووضعت الحرب أوزارها، وربما بسبب التوترات السياسية بين أجنحة السلطة في الجنوب وانقسام اللجنة المركزية على نفسها، وتوالت الانطلاقات والانجازات في الشمال التي كانت ثاني مفاجئآتها إعادة بناء سد مأرب التاريخي العظيم، وحتى كانت كبرى الانجازات التي ملأت السمع والبصر هي إعلان الوحدة اليمنية يوم 22 مايو 1990م، وما هناك شك ولا يختلف عقلاء على أن الرئيس علي عبد الله صالح أصبح صمام أمان، وقاسم مشترك بين كافة الطوائف والأحزاب، والتيارات والأفكار.
الرئيس لا يدع لأي أحد فرصة كاملة للغضب، ولا للرضى الكامل على حكمه، لأنه لا يقطع حبال الصلة والمودة مع أي طرف أو شخص، ولا يفلت الحبال كاملة بيد أي طرف وغالبًا ما يمسك بالعصا من النصف في معظم السياسات عدا ما يمس الوحدة والأمن. وأعتقد أن الحرب ضد الإرهاب، وزعزعة الأمن تعتبر من أهم منجزات عصر الرئيس علي عبد الله صالح، بعد إرساء الوحدة اليمنية، وبذلك جنب البلاد مخاطر، ويلات الدمار داخليًا وخارجيًا، والرُّبان الماهر في لجة الموج العاتي لابد أن يكون صاحب عزيمة فولاذية وبصيرة ثاقبة تنظر إلى بعد أميال طويلة، وكذلك رجلُ البناء للدولة، فلابد أن ينظر إلى ما بعد سنوات أو عقود من الزمن، وذلك ما ساعد الرئيس علي عبد الله صالح على اختيار نهج المشاركة الشعبية من خلال الانتخابات للهياكل الدستورية، والمؤسسات السيادية العليا، وإرساء قيم الديمقراطية، إضافة إلى تقريب يوم الحكم المحلي الكامل، وهذه تعتبر في نظري الضمان الأكبر للتفاعل الشعبي مع السلوك الحضاري الديمقراطي الذي يتحسن يومًا بعد يوم، ويلجم الطامعين للوصول إلى الحكم بالقوة، أو فرض الرعب والظلم الدائم. هذه في نظري إشارات عابرة إلى القيم التي آمن بها الرئيس علي عبد الله صالح، وعمل من أجلها بل كانت عاملا أساسيًا في كل ما تحقق خلال ربع قرن من حكمه، وكما هي السياسة الداخلية تقوم على أساس الأخذ والعطاء والمد والجزر، والشدة والرخاء، فإن السياسة الخارجية على المستوى القومي العربي، أو الديني الإسلامي، أو الدولي العالمي كذلك، والزعيم الذي يتمتع بنجاح وتجارب داخلية قوية، فإنه يتمتع بنفس البعد خارجيًا، فالرئيس علي عبد الله صالح لم يصل إلى ما وصل إليه بعصى سحرية، ولكنه المراس، والمعاناة، والكفاح، فقد كان كثيرًا ما يعاني في بعض مراحل حكمه من ضغوط إقليمية قومية، وأحيانًا دولية أجنبية، في مواقف شديدة الحساسية، ومن أجل النفوذ أحيانًا، ومن أجل المصالح أحيانًا، وتلك الظروف المريرة أثرت أيضًا على علاقات اليمن والرئيس تأثيرًا خطيرًا، خاصة مع الجيران من جهة الغرب، والشرق والشمال، وتعدت إلى دولٍ بعيدة، وكانت العلاقات أحيانًا تتوتر جدًا، وأحيانًا تصفو نسبيًا، حتى تغيرت موازين القيم الدولية، وأرسيت الوحدة، ويئس من عودة اليمن للتشطير من يئس، وانهارت أنظمة كانت صاحبة دور في زعزعة الاستقرار اليمني، وصمد في غمار كل تلك الرحلة المضنية نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وأرسيت في ظله دولة، وقوة، وأمن، واقتصاد، وذلك ما سمح لليمن وللرئيس بالتواجد اللافت للنظر على رقعة الخريطة السياسية في كافة القضايا القومية والدولية ودعني أضرب لك أمثلة مختصرة:
فاليمن كانت علاقاتها سيئة نسبيًا مع نظام مانغستو هيلا ماريام في أديس أبابا لسببين رئيسين، الأول دعم نظام مانغستو الاشتراكي لما كان يسمى بالجبهة الوطنية في الشمال التي كانت تشن الحرب في الريف ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، والسبب الثاني المسألة الأريترية التي كانت الجمهورية العربية قبل الوحدة تمثل ملجأً آمنًا للثوار الأريتريين، وكانت الأراضي اليمنية في الشمال خاصة شواطئ البحر الأحمر، والجزر اليمنية في أرخبيل حنيش تمثل الدرع الحامي والحضن الدافئ لكل فصائل المقاومة الأريترية، كان نظام الحبشة يدفع في إتجاه إسقاط حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وكان نظام الرئيس علي عبد الله صالح يدفع بقوة في اتجاه تحرير أريتريا من الاحتلال الأثيوبي، وبعد صراع طويل سقط حكم مانغستو هيلا ماريام بسقوط التيارات السوفيتية، وانتصر الثوار الأرتيريون، وصمد وتعزز حكم الرئيس علي عبد الله صالح وأصبحت صنعاء اليوم ركيزة هامة لاحتضان دول محور صنعاء الذي يضم اليمن وأثيوبيا والسودان، هذه القضية بصراعها ونتائجها المذهلة حتمت احترامًا كبيرًا للرئيس علي عبد الله صالح وحكمه في شرق أفريقيا قاطبة، وأصبحت كلمة اليمن والرئيس علي عبد الله صالح مسموعة، ومؤثرة في الشئون الإفريقية، ويضرب لها ألف حساب، وزاد من تعزيز هذا الموقف ومن قناعات العالم بأن أسلوب إدارة الأزمات في سياسة الرئيس علي عبد الله صالح أسلوبًا حكيمًا وعصريًا وحضاريًا، تلك الأزمة المحزنة التي قادها نظام أرتيريا المولود في أحضان اليمن عندما غزا جزيرة حنيش واستولى عليها وعلى الحامية البحرية الصغيرة فيها، وتوقع العالم نشوب حرب، وإعادة سيطرة اليمن على الجزيرة بالقوة، خاصة بعد خروج اليمن قوية ومنتصرة في حرب 1994م، وإفشال محاولة العودة باليمن للإنفصال، لكن الرئيس (صالح) وقف بكل شجاعة أمام الشعب قائلا إنها محاولة لقتل فرحة الشعب بانتصار الوحدة، وهي مؤامرة موتورين عرب وأجانب، ويقصد حينذاك دولا كانت غاضبة من هزيمة الانفصال بل كانت تقف من وراء محاولة الانفصال طبعًا كان لها من وجهة نظرها مصالح وردود أفعال، لا أحب أن أستطرها الآن حتى لا أذكر الأجيال بماضٍ يجب دفنه من العداوات التي ردمت إن شاء الله إلى الأبد، وكان السياسي اليمني الزعيم قد قرأ ما وراء احتلال جزيرة حنيش من أهداف وأحسَّ أن المطلوب هو تدويل الجزيرة واحتلالها دوليًا بذريعة أنها تهدد أمن الملاحة الدولية لذلك خاض الرئيس واليمن معركة سياسية وقضائية شرسة، وفي نفس الوقت كان الذراع العسكري يعد نفسه لاستعادة الجزيرة بالقوة، إذا ما دعى الأمر، وكان لسان حال الرئيس يومذاك هو قول الشاعر:

فواعجبي لمن ربت طفلا ... ألقمه بأطراف البنان
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني

وفعلا نجحت اليمن بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح في معركة سياسية وقضائية واستعادت الجزيرة بدون حرب، فكانت ضربة أقسى من سابقاتها، ودرسًا أبلغ من الدروس الماضية، وكما قال المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ** مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
فما ظنك بهذا النجاح، وقوة تأثيره في نفوس الزعامات الأخرى، وعلى الساحة الإقليمية والدولية، وأتذكر أن أحدًا من دول المنطقة لم يقف موقفًا صريحًا، وداعمًا للقضية اليمنية مع أريتريا سوى قطر والسودان، وقليل على استحياء، ومع ذلك كانت الحكمة والصبر والعمل المتواصل أمضى أسلحة النصر في استعادة حنيش وفي تأكيد سلامة نهج اليمن وسياستها خارجيًا.
ومن الأمثلة التي جعلت شخص الرئيس علي عبد الله صالح شخصًا مقنعًا في كل رؤاه وأطروحاته إقليميًا ودوليًا نجاحه الذي احتوى به نفسية الرئيس الجيبوتي السابق حسن جوليت عندما أوغرت صدره قيادات انفصالية سنة 1994م، ونقلت إليه عن الرئيس علي عبد الله صالح ما لم يقل، وحاولت افتعال جفوة قصيرة خلال حرب 1994م مع جيبوتي غير معلنة فتغاضى عنها الرئيس وعالجها بالحكمة واستعاد الحب والولاء من الرئيس الحاج حسن جوليت وأثبت له ما لم يكن يتوقع من سعة الصدر والمرونة وكشف اللئام عن وجه الحقيقة، ذلك ما جعل جيبوتي تنظر لليمن وللرئيس بعين الاحترام، والحبِّ والإكبار. وحتى تلك المجموعة التي كانت تسمي جمهوريتها أرض الصومال في الشمال الصومالي، وكانت قد وقعت في تأييد الانفصال لليمن، واعترفت بالانفصاليين، وهي الوحيدة في العالم، لم تأخذ اليمن عليها موقفها هذا بعين الحقد والانتقام، ولكن بادر الرئيس علي عبد الله صالح لاحتضان القضية الصومالية كاملةً، وفتح بلاده للاجئين من قبل ومن بعد، وصدره لمبادرات المصالحة، وأتذكر أننا بعد نهاية حرب 1994م استقبلنا وفود الفصائل الصومالية المتناحرة للمصالحة، وفي مقدمتهم القادة الذين بادروا بالإعتراف بالانفصال، وهم قادة جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها، وكنا معهم أحبابًا لا أصحابًا، أليست هذه السياسة للرئيس صالح جديرة بأن يشعر الآخرون نحوها بالاحترام والمحبة؟، وأن يندموا على مواقفهم الخاطئة نحوها؟ عيون العالم تراقب التطورات، وتتابع بعدسات التقييم والتحليل كافة النجاحات، وهذا ما جعل رأي اليمن أكثر نضجًا، وأبعد تمييزًا للمستقبل في عيون الآخرين. أما إن رجعنا إلى دول الجزيرة العربية المجاورة فقصص حكم الرئيس علي عبد الله صالح معها خلال عشرين سنة أكثر فصولا وإثارة من قصص ألف ليلة وليلة، ولا يتسع الحديث عنها في لقاء صحفي في حلقة أو حلقتين، بل لا يكفيها مجلدٌ كاملٌ، فلطالما مرت العلاقات بعشرات الفصول من المضحكات والمبكيات، والمفرحات والمحزنات، وشهور العسل، وشهور البصل، وحينًا عناق، وحينًا فراق، وأحيانًا حشود عسكرية، وانفراجات مفاجئة، يستحيل أن تحيط بها إجابة على سؤال أو مائة سؤال، لكن ذلك المخاض الكبير وآلام الحمل الطويلة أسفرت عن حلول جذرية لكافة القضايا التي كانت تقف وراء كل ما كان، وجاء المولود السعيد بإرساء اتفاقات عملية تنهي كل مشاكل الحدود والسيادة والثروة والنفوذ، وخاصة مع القطرين الشقيقين سلطنة عُمان، والمملكة العربية السعودية، وها هي هذه الدول المجاورة تنعم وينعم اليمن بتعاون شامل وكامل في شتى المجالات والقضايا التي تهم اليمن وجيرانه، فالعبرة بالنتائج لا بالمراحل المؤدية إليها. كما أن نجاح الرئيس علي عبد الله صالح في استعادة العلاقات الأخوية مع دولة الكويت الشقيق بعد قطيعة مريرة، وإن كنت هنا أذكر بإعجاب وإكبار استعادة الكويت أيضًا لعلاقاتها الطبيعية الحميمية مع كل إخوانها وأشقائها رغم ما أصابها من جرح، كان الأمل ضئيلا في اندماله قبل عقود من الزمن. ناهيك عن المواقف القومية لليمن بقيادة الرئيس صالح إزاء الحرب بين ليبيا وتشاد، ودعمها لليبيا في نزاعها مع تشاد سياسيًا وعسكريًا بمشاركة ألوية الوحدة، خلافًا لموقف ليبيا من صراع حرب الريف في اليمن، بين نظام الرئيس علي عبد الله صالح والجبهة. أعتقد أن ذلك موقفًا ما يزال وسيظل في سجل التاريخ الليبي شاهدًا على النزعة العروبية والنخوة الغيورة للرئيس علي عبد الله صالح نحو قومية العربية، فالمواقف الصعبة في كل الظروف وبمبادرات ذاتية، وبمسئولية تشكل جامعة نفسية تلتقي في أروقتها عواطف الأمة والقيادات، وليست الزعامة عبارة عن تطبيل إعلامي أو ترويج دعائي. وأتذكر أن اليمن وهي في حالة حاجةٍ ماسة ماديًّا، ومواجهة دامية في الشمال في مطلع الثمانينيات، وتتعرض لهجمات عسكرية شرسة في الداخل، برغم تلك الظروف الصعبة أعلنت وبادرت لتجهيز قوة عسكرية للمشاركة في نجدة الإخوة الفلسطينيين في بيروت، وفك الحصار عن الرئيس ياسر عرفات، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، واحتضان الناجين من المجزرة الإسرائيلية في بيروت، وفتح اليمن صدره الرحب للمقاتلين وأسرهم، كما صنعت تونس باحتضان القيادات الفلسطينية. هذه المواقف وأمثالها هي التي منحت رصيد الرئيس صالح هذا السطوع المتميز وأوجدت المساحة الرحبة لتحرك القيادة اليمنية في زيارات معظم عواصم العالم، والخوض في مضمار كل متغيرات الدنيا، والمشاركة الإيجابية في قول لا ونعم، وتقريب وجهات النظر في القضايا الملتهبة والشائكة.


س:هل هناك ذكريات مواقف تربطكم شخصياً بشخص فخامة الرئيس ؟
جـ : نعم بالتأكيد هناك مواقف وذكريات محفورة في أعماق القلب، وذكريات لا تبليها الليالي ولا الأيام، فمنذ ربع قرن تعرفت بشخصية الرئيس، ويعرفني جيدًا في الشدائد، وأعرفه جيدًا في الرخاء، وأنا جزء من النظام للرئيس علي عبد الله صالح، وعهده، وشريك في كثير من ظروف السراء والضراء، مع أنني قليل الجلوس والتلاقي بشخص الرئيس، لكني كثير الصلة والمشاركة في عدة فصول من حكمه لليمن، ولست بقريب جدًا ولا ببعيد جدًا. وأزعم أو أدعي أنني مؤرخ دقيق، وموثق حصيف لعدد غير قليل من المواقف النبيلة، وأرشيفي حافلٌ بمادة مكتوبة ومفيدة عن أحلك ظروف الأزمات، وفي أسعد اللحظات وكلها تكشف عن الشخصية الإنسانية في هذا الرجل اليمني الزعيم البسيط المتواضع خاصةً عندما يفتح قلبه، ويطلق العنان لحديث الذات عن الذات، لكنَّ السرد القصصي لم يحن الوقت لتناوله الآن خاصة وأن هناك من هم ألصق، وأقرب مني بشخصية الرجل، ولكني ما جلست أسمع لحديث من الرئيس إلا ووجدت في حديثه إجابات ضمنية على عشرات من تساؤلاتي المعقدة في كشف الحلقات المفقودة من معلومات عن مراحل حساسة في مسيرة الثورة والوحدة والكفاح والذات. كان الرجل الذي يرعى صلتي بالرئيس وغيره ويتبنى اهتماماتي العملية والشخصية، هو القائد الذي أدين له بالوفاء وأدعو له بالرحمة اللواء محمد عبد الله صالح، الذي كنت له وكان لي شقيق روح وسند متين، وإليه يعود الفضل في كثير من مسيرة حياتي الرسمية، ولم يكن دوره في حياتي كقائد فقط، ولكنه كان أبًا وموجهًا لا أفقد وجوده حيثما كان، وحيثما أكون، مجالسي معه كثيرة، وتواصلي معه كان لا يتقطع، ولعلاقتي مع هذا الرجل ملف خاص.


س:ماذا تقولون في قيادة الرئيس وحنكته ؟
جـ :في كتابي الذي لم ينشر بعد بعنوان حرب الريف في اليمن صراع الأيدلوجيات والنفوذ، سردت عشرات من وثائق المواقف، والتحليلات عن قيادة الرئيس علي عبد الله صالح وصراحته وغموضه، وتنوع تعاطيه لمختلف القضايا، والسباحة باليمن نحو الشاطئ، وفق أقدار ربانية تخالف تحليلات المحللين، وتخطيطات المخططين، وكيف يراهن على النتائج فقط دون الاكتراث بالوسائل والطرق المؤدية إليها.
 

س: من موقعكم كسفير وممثل دائم لبلادنا لدى جامعة الدول العربية، هل لكم أن تحدثونا عن علاقة بلادنا بالجامعة، ودور بلادنا وإسهاماتها سواء في مجال تطوير أداء الجامعة، أو في دعم القضايا العربية والدولية، وكيف هي مواقف الجامعة عمومًا وأمينها العام الأخ/ عمرو موسى من بلادنا وعلاقته بفخامة الرئيس وتقييمه لدور الرئيس القومي؟
جـ: اليمن دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية منذ عام 1945م، واليمن لم تتخلف حتى في عهد الإمامة عن التحالفات العربية – العربية، ومشاريع الاتحادات، وكانت الجامعة العربية أيضًا صاحبة دور بارز في التدخل في أحلك ظروف التوترات والحروب التي اجتاحت اليمن، وإذا تابعت محاضرة فخامة الرئيس في جامعة كوريا الجنوبية تلحظ كثافة دور الجامعة في وقف العديد من التوتر والحروب بين شطري اليمن، وعلاقة اليمن بمنظومة العمل العربي المشترك علاقة مميزة للغاية، وكان اليمن في صدارة الداعيين للحفاظ على دور الجامعة العربية، وتفعيل دورها الإقليمي سواءً حينما كانت في القاهرة، وحينما انتقلت إلى تونس، وبعد عودتها للقاهرة، ناهيك عن أن اليمن بعد الوحدة ناضلت لإعادة دورية القمة العربية منفردة في محاولة لتكثيف عمليات إزالة آثار التصدع العربي إثر كارثة احتلال الكويت من جيش صدام سنة 1990م، حتى نجحت في إقناع الدول العربية بدورية القمة العربية. بالرغم من القدرة المالية الضئيلة لليمن بالمقارنة مع الدول التي تدفع حوالي 15% من موازنة الجامعة العربية نظرًا لقدرتها المالية فإن اليمن في أروقة الجامعة العربية تعتبر من الدول ذات الوزن الثقيل التي تمتلك كتلة كبيرة من المؤيدين في المنظومة العربية داخل الجامعة، وعزز هذا الدور اهتمام الرئيس علي عبد الله صالح بكل كبيرة وصغيرة في القضايا القومية العربية، وكان الزعيم العربي الوحيد الذي زار الجامعة العربية على هامش زيارته للقاهرة، والتقى بسفراء الدول العربية فيها، وتحدث إليهم في قضايا إقليمية حساسة، وذلك ما جعل موقفنا في الجامعة أكثر نفوذًا وأكثر تأثيرًا، ولا أنسى موقفين جوهريين لفخامة الرئيس شهدتهما بحضوري، أولا في بيروت عندما جمع بين زعيمين عربيين كانت بينهما جفوة وشقاق، وبذلك اللقاء حسم خلافٌ مؤلم وعادت المودة والوئام، والموقف الثاني شهدته في قاعة القمة العربية عندما حدثت الملاسنة والتوتر في الجلسة العلنية في شرم الشيخ بين زعيمين عربيين، كان دور الأخ الرئيس مشرفًا للغاية، حيث اشترك مع رئاسة القمة، ورئاسة البلد المضيف في إقناع الطرفين بالتهدئة، والتسامح، والسيطرة على خلاف كاد يعصف بالقاعة ومن فيها، واكملت أعمال القمة بسلام. هذه الأدوار وغيرها اليمن في الجامعة عضوًا مرموقًا ينتظر رأيه في كل شيء، ولكنَّ مواقف الجامعة العربية إنما هي انعكاس لقرارات ومواقف الدول الأعضاء، خاصة في الشئون الاستراتيجية الكبيرة. أما الموقف الذي لا أستطيع القبول به، ولم أسعد به في إطار الجامعة العربية هو الموقف السلبي من معظم المنظومة العربية التي خيبت الآمال في عدم القبول بمبادرة اليمن التي كانت تمثل انقلابًا تصحيحيًا للأوضاع القومية العربية، وتحقق طموح الشارع العربي، وتمثل النقلة الجوهرية الوحيدة في منظومة العمل العربي، وهي المبادرة التي قدمتها اليمن لتحويل الجامعة إلى اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوربي، ومن ملامح ذلك المشروع إقامة مجلس أمن عربي، ومحكمة عدل عربية، وبرلمان عربي، وقوات سلام عربية. لقد كان مشروعًا يمكن أن تهتز له قلوب كافة الأمة العربية فرحًا وطربًا، ويعكس مصداقية الأنظمة العربية إزاء التزاماتها القومية، ويفرض احترام العرب على الساحة الدولية، لكن هذه المبادرة التي عانينا كثيرًا من محاولة تأييدها، والقبول بها ستظل هي المطلب الشعبي والحل المفترض لدى الشعوب العربية كافة، وبدونها فإن محاولات التهرب منها، وترقيع البدائل الباردة المألوفة لن تكون حلا، ولن تكون مقنعةً لأي شعب من الشعوب العربية، ولو قبلت المنظومة العربية بالمبادرة اليمنية والتزمت بتنفيذها لتفادت كثيرًا من المئآسي الداخلية والضغوط الخارجية. أما أمينها العام السيد عمرو موسى فهو مسَيَّر لا مخير، يصول كثيرًا ويجول طويلا، لكنه لا يستطيع الخروج عن إطار الإرادة السياسية العربية، وقرارات القمم العربية، بل أصبح الأمين العام يمثل دور الناطق الرسمي للمنظومة العربية.
 

س: ما هو الحل في نظرك؟
جـ: بصراحة أكبر فإن المنظومة العربية أصبحت مرهونة بقرار سياسي من مجموعة ستة عشر زعيم عربي فقط، إذا ما اتفقت معي أن ست دول عربية من أعضاء الجامعة لا تستطيع الرفض لما تتفق عليه مجموعة الستة عشر قيادة، تلك الدول الست هي التي لم يعد لبعضها كيان قوي، أو سيادة كاملة، كالصومال وفلسطين والعراق، والأخرى صغيرة، وغير قادرة على وقف عجلة التصحيح مثل القمر وجيبوتي وموريتانيا. نحن معشر السفراء في أروقة الجامعة نمثل مرآة عاكسة لمواقف بلداننا، "وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا".
 

س: ماذا عن قمة الجزائر؟
جـ: قمة الجزائر فقد كانت ناضجة أكثر مما سبقها من القمم، لأنها خلت من المشاكل والتوترات على مستوى الزعماء، ولأنها فكت اختناقات الجامعة العربية ماليًا برفع التحفظات عن الحصص المالية التي كانت متحفظًا عليها، وتم اعتماد مبلغ خمسة وثلاثين مليون دولارًا كاحتياط مالي للجامعة، إضافة إلى موازنتها المعتمدة خمسة وثلاثين مليون دولار، كما تم منح الصومال خمسة وعشرين مليون دولار تقريبًا على الدول الأعضاء، أما ما عدا تلك القرارات فهي قرارات لبنود دائمة ومكررة ومنقولة من قرارات القمم السابقة.
 

س: هل لديكم ما يمكن إضافته في إطار علاقة بلادنا بالجامعة العربية؟
جـ: هناك مكتبة كاملة عن علاقات بلادنا بالجامعة العربية، وتكتب رسالة علمية أكاديمية الآن، وقد نوقشت رسالة علمية أخرى عن دور اليمن في الجامعة العربية.
 

س: ما هو جديد جامعة الدول العربية بعد قمة الجزائر، والمقصود أهم القضايا المطروحة على أوليات برنامج عملها للمرحلة القادمة؟
جـ: تنفيذ قرارات قمة الجزائر فقط.
 

س: نعرف جميعًا أن عددًا غير قليل من المبادرات العربية التي قدمت في إطار الدعوة لإصلاح وتطير آلية عمل الجامعة وتطورها وتجددها حتى تتلاءم، والتطورات التي يشهدها ويعيشها عالمنا اليوم، فهل لكم أن تفيدونا عن:
جـ :ما هو مصير المبادرات العربية لإصلاح الجامعة بما فيها المبادرة اليمنية؟
- وهل شهدت الجامعة حركة إصلاح قائمة على ما جاء في المبادرات العربية؟
- ومتى عمليًا سيتم تطير أداء الجامعة؟ وقبل هذا كله هل هناك اتفاق نهائي على المبادرات الهادفة إلى إصلاح الجامعة والبدء بتنفيذها؟
- الجامعة العربية وحركة الإصلاح فيها محدودة على المستوى العملي، لأنها تعاني ما يعانيه الواقع العربي في كل مكان، وقيود عديدة منها عدم الإجماع، والتمويل، واسترضاء الدول الأعضاء، ودورها الذي لا يتعدى الدور البروتوكولي المراسيمي فقط، وهلم جرَّا.
لكن على مستوى إضافة دوائر، ومسميات وظيفية جديدة وقواعد بيانات هناك تحديث وتجديد. إن التحديث والتطوير للجامعة العربية بحاجة أيضًا إلى إرادة سياسية من الدول العربية، وليس من المندوبين الدائمين أو الأمانة العامة للجامعة، فالكل موظفون لدى الدول العربية، وليسو سوى جزءٍ منها، ومن أدائها.

 س: بسبب المواقف الإيجابية للجامعة والدور الكبير والهام الذي قام به الأخ/ عمرو موسى الأمين العام للجامعة تم إيقاف مشروع الدعوة لتطبيع عربي شامل مع إسرائيل وذلك في قمة الجزائر.. فهل هناك ضمانات أو لنقل كيف يمكننا أن نوفر ضمانات تحول دون العودة لدعوة التطبيع الشامل مع إسرائيل في قمة السودان القادمة؟
جـ: اسمح لي أن أخالفك وأخالف وسائل الإعلام التي جعلت من الوهم حقيقة، خاصة القنوات التلفزيونية التي تابعت أعمالنا في تحضير قرارات القمة في الجزائر 2005م، إن ما أشيع من وجود مشروع للتطبيع مطروح على قمة الجزائر، وأن جهودًا بذلت لإيقافه والتصدي له سواء من عمرو موسى أو غيره، أنا أعتبرت ذلك الطرح والضوضاء الإعلامية كان طرحًا ظالمًا للأردن، وتشويهًا لمضمون القرار الذي تقدم به زميلنا سابقًا هاني الملقي وزير خارجية الأردن، أعتقد أن البعض كان يبحث عن دور بطولي، ولو وهمي، فصنع من الحبة قبة، وأحدث ضجة إعلامية لا مبرر لها، فقد كان الزميل السفير عبدالقادر حجار المندوب الدائم للجزائر في جامعة الدول العربية يرأس وفد الجزائر في التحضير للقمة، وكان يعتبر نفسه حارس مرمى في ملعب قمة الجزائر، ويتحسس من طرح كل فقرة كائنة ما كانت قد تؤدي إلى خلاف أو فشل لقمة الجزائر. ومن هذه الأجواء خرجت إشاعات القنوات التلفزيونية بأن هناك مبادرة أردنية للتطبيع الشامل، وأشاعوا بأنه تصدى لها من تصدى، وتصاعدت التصريحات، وتوتر الجو بين الوزير هاني الملقي – الأردن، والسفير عبد القادر حجار – الجزائر، وكلها عملية بحث عن دور إعلامي أو بطولة في معركة وهمية. والصواب لم تطرح مبادرة للتطبيع من الأردن فورًا، ولكن كان هناك مشروع قرار أردني باسم القمة يؤكد التزام القادة العرب بمبادرة السلام العربية، التي تقدمت بها السعودية قبل ثلاث سنوات، وصدر بها قرار قمة بيروت، ولكن الصياغة كانت فيها تقديم وتأخير فقط. فبدلا من أن قرار المبادرة العربية ينص على دعوة إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 67، والسماح بدولة للفلسطينيين، وعودة اللاجئين، ومقابل ذلك تلتزم الدول العربية بالتطبيع والاعتراف بإسرائيل، جاء مشروع القرار الأردني يؤكد الالتزام بالمبادرة والاعتراف بإسرائيل، وتطبيع العلاقات مع الدول إذا فعلت إسرائيل كذا وكذا، وهذا كل ما كان في الأمر. التطبيع فيما يبدو لن يكون جماعيًا من الدول العربية، لأن إسرائيل ستدفع ثمنه، وهي تريد تطبيعًا بدون أي ثمن من الأرض ولا السيادة، وهي ماضية في سياسة إقامة تطبيع فردي كل فترة ينظم للمطبعين نظام عربي جديد بشكل فردي حتى تتساقط المقاطعة للتطبيع، وهذه السياسة التي تجري، وأعتقد أن هناك ثلاث دول في طريقها للتطبيع قريبًا، على المستوى السياسي، أما الاقتصادي وغيره فقد طبعت عمليًا وسيضاف للثلاث دول السابقة، وهكذا تريد إسرائيل وأن تسير حركة التطبيع.
 

س: من موقعكم سعادة السفير ومندوبنا الدائم في الجامعة العربية.. ما هي أولويات السياسة اليمنية في الجامعة، (نقصد إلى جانب الجدول العام للقضايا العربية في إطار الجامعة الخصوصية السياسية لاهتمام بلادنا بالقضايا العربية)؟
جـ: سياسة اليمن في الجامعة سياسة تقوم على إرادة تفعيل دور الجامعة، وبناءها كمنظمة قومية لها قوة الأمم المتحدة، وتفعيل دورها، لكن كل هذه الهموم بحاجة إلى موافقة وتصويت بقيت الدول وإلا ستظل همومًا دائمة، فالقرار الذي ينفذ لابد له من إجماع، وإجماع العرب كما تعلم شبه مستحيل، إلا إذا كان مفروضًا من الخارج أو لتحقيق المزيد من الشقاق والتشرذم، أو تتدخل السماء بقدر جميل. إلى أي مدى لاتزال الخلافات العربية – العربية تعيق المسيرة العربية وتحول دون الوصول إلى مرحلة تباين قرارات عربية مشتركة ترتقي وحجم التحديات التي تواجه أمتنا العربية؟
 

س: تزايد عدد غياب القادة العرب في قمة الجزائر عنه في قمة تونس مما دفع البعض ليقول أن عدد الغياب للقادة العرب في القمة العربية القادمة بالسودان سيكون أكبر إلى حد ربما يتعثر معه انعقاد القمة سواء بسبب كثرة الغياب أو لتفاعل الأوضاع التي يعيشها السودان، واحتمال تصاعدها، وسؤالنا: كيف يمكن أن نبرر الغياب للقادة العرب عن القمة؟ وكيف يمكن أن نقتنع أو نصدق أن النظام العربي صادق في دعوته لإصلاح الجامعة وتطور عملها والقادة العرب لا يلتزمون بحضور اجتماع قمة سنوي.. أو حتى دفع اشتراكات دولهم في الجامعة؟
جـ: بالتأكيد تزايد غياب القادة العرب في قمة الجزائر وتونس، وأتوقع أن الغياب سيكون أكثر في قمة الخرطوم، ويبدو لي أن الهاجس الأمني والخوف من تكرار ما حدث في قمة شرم الشيخ، أو توابع ذلك الموقف تتجدد، خاصة وأن بعض القادة يطلب تصريح من الدولة المضيفة بعدد 400 حارس أمني مسلح، ليذهب لمصافحة إخوانه القادة العرب. فالسبب الحقيقي هو الهاجس الأمني لا أكثر، والقليل من الزعماء بسبب تجنب الاحراجات من مواجهة زعماء آخرين قد يعرضهم للوم فريق آخر من زعماء آخرين أصدقاء ولكن لم يحضروا القمة – والقارئ يفهم – والدخول في تفاصيل آثار مشكلة شرم الشيخ، لو سردناه وما وراء الكواليس لص.

أضف تعليق