السبت“ 20 أبريل 2024 - 01:10 ص - جرينتش

فتنة الحوثي ليست إرهابًا.. بل مجرد انحرافات فكرية


القاهرة- أخبار العرب- العدد 1615
الثلاثاء 24 ربيع الأول 1426هـ - 3 مايو 2005م

أكد الدكتور عبد الولي الشميري مندوب اليمن الدائم في الجامعة العربية أن اليمن انتصرت في حربها ضد الإرهاب، وسبقت جميع الدول العربية في ذلك. وقال لأخبار العرب إن ما يحدث من مواجهات في محافظة صعدة اليمنية أو غيرها هو محاولة للخروج عن القانون وفرض الأفكار المتطرفة والغريبة عن المجتمع بالقوة، وأشار إلى أن أمريكا تسعى إلى تذويب المنطقة العربية في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يضم إسرائيل في المقدمة.


• ما تقييمك للوضع في اليمن؟
- أعتقد أن اليمن يعيش في أوضاع أفضل بكثير جدًا من أي وقت مضى وإن كانت لم تصل إلى ما نتمناه، وهي الآن بدأت تكون أوضاعًا مركزية مؤسسة تمامًا وأصبحت تكون مجتمعًا يبني على أساس المعرفة والثقافة، وهي الآن أفضل من أي وقت مضى ونحمد الله على ذلك.


• ما قصة الأحداث الأخيرة في محافظة صعدة؟ خاصةً أن الحكومة رددت من قبل انتهاء تمرد الحوثي وأتباعه، إذن فما الذي أدى لظهور تمرد جديد وتحديدًا في هذه المحافظة بالذات؟
- هي من توابع الزلزال الذي قام به من قبل المتمرد حسين بدر الدين الحوثي، وطبعًا والده، وهو رجل مسن فوق الثمانين عامًا، كان في صنعاء وأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر، وبعد ذلك دفعه حب الثأر والغيرة من الهزيمة والنصر، فتسلل من صنعاء وخرج إلى القبائل، وسانده أحد أتباع ابنه المتمرد الذي قُتِل من قبل، وهو المدعو الرزامي، وقاموا بعملية هجوم على أكثر من سبع أو ثماني نقاط عسكرية في الطرق، وفي أكثر من مكان، وبالتالي وقع عدد كبير من الضحايا، وفجأة اشتعلت المعارك من جديد، وطبعًا مازال الجيش والأمن متواجدين، وقوات الدولة متمركزة في كل مكان، وقد واجهت الأمر بشيء من الحكمة في البداية وإعادة الحوار، وعندما لم تفلح اتبعت منهج القوة بعد ذلك وتم الاستيلاء على جميع المناطق التي كانوا يحتمون فيها، ولكن يبدو لي أن الشخصين اللذين كانا يقفان من وراء الفتنة قد أفلتا من يد الأمن، ولم يقعا في الأسر، وهما الرزامي والحوثي، ولكن حتى اللحظة لم تعد لهما منطقة آمنة يلجؤون فيها سوى كهف، أو تحت الصخور، أو في بيت مجهول، وهو أمر وارد ولكن إلى أي وقت سيختفي؟ وكم سيبقى؟ وأعتقد أن الدولة لها إصرار شديد على تعقبهما.


• معالي السفير بخلاف قضية الحوثي هناك الكثيرون الذين يرفضون الوجود الأمريكي في اليمن؟
- فتنة الحوثي من نوع آخر تمامًا، وهم ليسوا إرهابيين، ومواقفهم ليست ردًا على الوجود الأمريكي، وما يحدث هو مجرد انحرافات فكرية، مثلما كان انحراف الخوارج في العراق، وهم لم يمارسوا عملية التفجيرات والعنف، وإنما هم سيطروا على منطقة، وقد أرادوا أن يقيموا عليها حكمًا بأفكار منحرفة، وأن يشقوا يد الطاعة على الدولة، ويخرجوا على الجماعة بعمل أفكار شاذة لم يقبلها أحد من أهل العلم في اليمن، ولا في خارج اليمن، وبالتالي فأنا أقول إن ليس كل قتال يطلق عليه إرهاب، وهنا قتال ناتج عن انحرافات فكرية وطموح سلطوي، وكان في التاريخ ما يشبه هذه كثيرًا، ومن الخطأ تمامًا أن نسيء فهمه، فالإرهابي يختلف تمامًا عما يقوم به مثل هؤلاء الأشخاص، وهذه فتنة فكرية وتطرف ديني، وسوء فهم للإسلام، وأيضًا استغلال لغفوة معينة وقعت فيها الحكومة في السنوات الماضية سواء كانت في أجهزة الأمن أو الدولة، أدت إلى ما كان عليه الحال كفتنة من الفتن الطائفية والقبلية، فهل الحرب التي تجري الآن في دارفور تعتبر إرهابًا؟ بالطبع لا، بل هي فتنة داخلية، أما الإرهاب فهو شيء آخر، وله دوافعه وكياناته المؤسسية المعروف بها.


• ولكن مع كل ذلك كيف ترى موجة الإرهاب التي تحدث في المين بين الفترة والأخرى؟ وما توقعاتكم لها في الفترة المقبلة؟ وهل تعتقد أنها ستنحسر كما ردد بعض المسئولين اليمنيين؟
- الموجة انحسرت فعلا، فاليمن أول الدول التي انتصرت في مجال محاربة الإرهاب، وكسرت شوكته، ورصدته وحاصرته وضيقت عليه الخناق، وأصبح المجتمع اليمني مجتمعًا قبائليًا متعاونًا مع الحكومة لأقصى درجة ممكنة، وذلك نسبة لاقتناعه بخطورة العمل الإرهابي وتأثيره على مستقبلهم وحياتهم ووجودهم، والحكومة اليمنية من جانبها استطاعت أن تسيطر على الوضع بكل قوة، وسيطرت على الموقف أمنيًا إلى درجة عالية، وأعتقد أنه لا توجد دولة عربية استطاعت مواجهة الإرهاب كاليمن حتى اللحظة فهي قد انتصرت عليه ولا مجال لمتشكك في ذلك.


• ما موقع اليمن من العمل العربي المشترك، خصوصًا داخل إطار جامعة الدول العربية، فقد تردد مؤخرًا أنكم قمتم برفع كل تحفظاتكم على النسب المقررة عليكم دفعها كمستحقات للجامعة العربية؟
- اليمن موجودة في قلب العمل العربي المشترك، وفي الحقيقة إن التحفظ السابق كان ناتجًا عن سوء فهم، فالناس قد فهمت خطأ، فقد كان اليمن من قبل شمالا وجنوبًا، يعني أنه كان دولتين مركزيتين يدفعان حصتيهما، وبعد التوحد من المفترض ألا يدفع حصتين، فنحن شطر واحد وقطر واحد موحد، والآن بعد أن ظهر ارتباط القضايا بمستقبل العمل العربي المشترك وإخواننا في الدول الأخرى قاموا برفع تحفظاتهم، قمنا نحن من جانبنا بكل وضوح برفع كل التحفظات على النسب المقررة في حقنا، والآن هناك دول دفعت ودول لم تدفع على الرغم من أنها قادرة على أن تدفع ميزانيتها كاملة من دخل ساعات نفطية، واليمن أرادت أن تدعم الجامعة العربية ورفعت بالتالي تحفظها، وتحركت إلى الأمام رغبة منها في دفع العمل العربي المشترك إلى النجاح من جميع الجوانب، فنحن ملتزمون تحت راية الجامعة العربية بأي مشروع يتم الاتفاق عليه لإنجاح العمل العربي المشترك.


• انتقل بك قليلا إلى عالم الثقافة، فقد أسست من قبل منتدى المثقف العربي بالقاهرة فما الهدف الرئيسي منه؟ وكيف توفق فيما بين عملك الدبلوماسي وإدارتك لهذا المنتدى؟
- هذا المنتدى أعتبره ملتقى لأهل العلم والمعرفة مهما كانت جنسياتهم، ومنتدى المثقف العربي يفخر في كل وقت بأعلام أجلاء من قادة الثقافة والنهضة العربية وأمتنا العربية اليوم تبحث لها عن مكان بين الأمم تعرف فيه بثقافتها وتكشف عن جماليات ماضيها وتراثها وتؤكد أنها من أخذت بيد النهضة الأوروبية في قرونها الوسطى حتى أضاءت واقع حضارتها فقدمتها إلى العالم بفكر علمي حديث ثم رجعت تتقهقر في هذا العصر ونحن نحاول أن نسترجع ماضيها المجيد.


• وماذا عن مجمع اللغة العربية الذي كنت تنوي إقامته باليمن على غرار المجمع الموجود حاليًا بالقاهرة؟
- هذا المجمع أنا بنفسي قمت من قبل بالدعوة الرسمية إلى إنشائه في اليمن، وأوضحت أن هذه الدعوة تستند على أن اليمن هي منبت اللغة، وهو ما سيعطيها بعدًا ثقافيًا مميزًا، خصوصًا وأن فيها العديد من العلماء والمفكرين، وقد أتت هذه الدعوة متزامنة مع إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية العام 2004م أي العام الماضي، وقد شددت على أن هذا اللقب يحتاج للكثير من المشاريع الثقافية التي ينبغي أن يشارك فيها المهتمون والمختصون، داعيًا المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية إلى تفعيل عملها والنهوض بواقعها لكي تكون العاصمة اليمنية جديرة بهذا اللقب وقد اعتبره الكثيرون اقتراحًا يندرج تحت إطار صنعاء عاصمة الثقافة العربية في ذلك الوقت.


• ولكن مع اتجاهك للثقافة وميولك الواضحة إليها انتقدت وبشدة الروشتات الأمريكية للإصلاح في العالم العربي في كثير من منتدياتك الثقافية؟
- أنا أعلنت من قبل انتقادي الشديد للروشتات الإصلاحية للوضع السياسي العربي والتي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضها من خلال ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير، فالولايات المتحدة تهدف من خلال المشروع إلى تذويب المنطقة العربية داخل منظومة شرق أوسطية كبير منها إسرائيل وباكستان وتركيا وإيران، وهذه الورقة وإن كانت لم تتعرض كثيرًا للجانب الثقافي والاجتماعي لكنها تعرضت للجانب السياسي بالذات بشكل أزعج كثيرًا من الأنظمة العربية التي ذهبت لتقديم مبادرات بديلة لإصلاح الوضع العربي متجاهلة كل الأوراق التي تقدمت بها الدانمارك والاتحاد الأوروبي وإيطاليا بالذات وأمريكا وغيرها، فالدول العربية ذهبت لتقديم بدائل أوراقًا عربية المنشأ وتقول أيما إصلاح نشأ بفكرة أجنبية أو مستوردة مرفوض لأن شعوب الأمة العربية لن ترحب بها، لكن يأتي الرد الأمريكي بأن المستهدف بهذا الإصلاح هو الأنظمة العربية، والتي تمثل دور المريض، والمريض لا يمكن أن يكتب روشتة علاج لنفسه، ولو كان قادرًا على معالجة أوضاعه بوصفات إصلاحية للأوضاع العربية لكان أصلح نفسه من قبل، فالمبادرات العربية التي قدمت لإصلاح الوضع العربي والتي كان آخرها الوثيقة التي قدمت إلى القمة العربية السابقة في بيروت والتي قدمها الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي.


• سبق أن قدمتم مبادرة للسلام في السودان، فما هي إذن الأسباب التي أدت إلى تقديمكم لهذه المبادرة وكيف تقيِّم الوضع السوداني نفسه؟ خصوصًا بعد قرار مجلس الأمن الأخير القاضي بتسليم مسئولين سودانيين لمحكمة الجنايات الدولية؟
- الحقيقة أن هذه المبادرة تأتي من منطلق الحس القومي العربي إزاء الشعب السوداني أولا ثم الدولة السودانية، وتكره تدخل الآخر في الشئون الداخلية للسودان، ولكن المشكلة الآن في دارفور وما رادفها من موقع أوروبي متعنت على غير العادة من جانب دول صديقة للنظام في الخرطوم كفرنسا التي لها تعامل كبير مع النظام السوداني، وهي التي استلمت كارلوس من قبل منه، لكن الحكومة السودانية وقعت في فخ نصبته لها أمريكا، فعندما كانت المفاوضات تدور في كينيا بين الوفد السوداني الرئيسي ووفد حركة قرنق كانت تتم بمراقبة أمريكية، كان الأوروبيون قد ابتعثوا ممثلا لهم لحضور هذه المفاوضات وأمريكا كما بلغني من أخبار مؤكدة أنها رفضت ذلك وضغطت على الوفد السوداني ليكون التفاوض تحت الإشراف الأمريكي فقط، وقالت لهم لا تبلغوا الأوروبيين، وقد كان الوفد الأوروبي موجودًا بالفندق ينتظر فلم يبلغ من الحكومة السودانية التي أعلنت التزامها بالموقف الأمريكي وحضوره في هذه المفاوضات، وفوجئ الأوروبيون أن الاتفاقيات تمت بحضور أمريكا وتغييب أوروبا، واعتبروا أن إخفاء هذه المفاوضات وعدم رغبة المشاركة من جانب الاتحاد الأوروبي تقف من ورائها الحكومة السودانية بوضوح تام، فكان هذا الموقف المتشدد والمتقن من جانب فرنسا والاتحاد الأوروبي، وأخطأ الإخوة في السودان بعد إبلاغ الاتحاد الأوروبي بذلك، والحكومة السودانية ساهمت على التعتيم وتحملت المسئولية وها هم الآن يدفعون الثمن بوضوح، وهو ثمن إبعاد الدور الأوروبي الذي تقف معه أمريكا الآن، وأنا أعتقد أن ما يراد بالسودان التآمر الشامل من جميع الجوانب، فهناك عدة عوامل الآن أدت إلى غيظ كبير للأوروبيين، يأتي في طليعتها التعاون الاقتصادي الكبير مع الصين، التي لم تكلف نفسها استخدام حق الفيتو لإجهاض مشروع القرار الأخير في مجلس الأمن الدولي على الرغم من أنها قادرة على ذلك بالفعل.


• وماذا عن الوضع العراقي؟
- أنا لا أخفيك سرًا، فأنا شخصيًا لا أتوقع خروج أية قوات أمريكية الآن، ولكن نتوقع أن تأخذ من عام إلى عامين للخروج منه، وأقول وبصراحة أن أمريكا لا تنوي بكل صراحة الخروج من العراق، وتريد أن تكون محتلا من خلال نظام أموال لها داخل العراق، أو هكذا، وأعتقد أن المستقبل سيجبر أمريكا على الانسحاب الكامل في ظل المقاومة التي تجدها الآن من العراقيين أو سؤكد رغبة أمريكا في البقاء، ولأمريكا أساليبها الخاصة في هذا الإطار، ولا يستطيع أي أحد الوقوف في وجهها إلا بالإصرار والعزيمة على ذلك.


• أخيرًا اليمن من ضمن الدول المهتمة جدًا بالوضع الفلسطيني، فما تقييمكم لمستقبل هذا الوضع؟ خصوصًا أنه قد سبق لكم من قبل وأن حذرتم من عمق التقارب الفلسطيني الإسرائيلي، وقلتم أنه من الممكن في ظل هذا التقارب أن يؤدي إلى المزيد من التنازلات، خاصة فيما يتعلق بحق العودة وحدود الرابع من يونيو 1967؟
- أمريكا الآن مقتنعة تمامًا، ومجندة نفسها إعلاميًا فقط لصالح خارطة الطريق، وهي قد أدخلت السرور على العرب وبددت الكثير من مخاوفهم، وهي عملية تجميل لوجهها الكالح الواقف مع إسرائيل، وامتصاص لكثير من الغيظ، لكن عمليًا يبدو أن شارون قد أقنع بوش أن العودة إلى حدود 67 قضية مستحيلة، وهنا المصيبة بكل معنى يصعب معه القول والعمل، والآن فيما يدور وراء الكواليس أن السلطة الفلسطينية الآن في أشد الضعف، لأن شارون يعد ولا يفي، ولأن الاجتماعات والاتفاقات التي كانت في شرم الشيخ وفي غيرها اتفاقات مازالت حبرًا على ورق، وأن الانسحاب من غزة لم يأت بطلب خارطة الطريق ولا أي طلب من الفلسطينيين، وأنها جاءت لتخليص إسرائيل من شيء يسمونه أرض اللعنة، أو الأرض الملعونة، وهي غزة، وهذه طبعًا تخرج إسرائيل من ورطتها بالكامل، واسمح لي أن أقول لك عن الأطماع اليهودية داخل فلسطين تعتبر أطماع تؤكد أن كل الحوارات والتنازلات والمواثيق والمواعيد ستتحطم على صخرة هذه الأطماع، وستبوء معها جميع المحاولات الرامية لحل القضية الفلسطينية بالفشل الذريع.