الثلاثاء“ 23 أبريل 2024 - 03:17 م - جرينتش

شروخ في جدار الوطن (8) .. قضايا حتمية للحوار


بقلم/ د. عبد الولي الشميري 
الإثنين 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2012م

شروخ في جدار الوطن 
لقد حان إقلاع طائرة المتحاورين السياسيين في اليمن بدخول نوفمبر 2012م لمناقشة كافة أوجاع اليمن والضمادات المطلوبة على حد تسميات العظيمين الراحلين عبدالرحمن البيضاني وعبدالرحمن الطيب بعكر. رحمهما الله تعالى. 
وتحتشد الأنظار حول أسماء المتحاورين، وحول قضايا الحوار، وحول أسماء الرافضين للحوار، وحول المقتنعين وغير المقتنعين بجدوى الحوار؛ وحول الضغوط الخارجية لإنجاح الحوار. 
وعوداً على بدء كنت أحسب المتابعين المهتمين يقرأون، ويناقشون، بمنطق علمي وموضوعي، وأنهم يقرأون ويتـتبعون المعلومات، ثم يناقشونها في ضوء ما علموا بيقين، لكن للأسف الشديد؛ لقد اكتشفت أن الغالبية العظمى من القراء يكتبون ويعلقون ويتحدثون من خلال ما سمعوا في المقايل أو في أسواق القات، أو في مطاعم السلتة، أو في مقالي الأسماك، وليس من خلال ما يكتبه الكاتب، ولا من خلال وقائع صحيحة من التاريخ، وهنا أدركت الحقيقة المرة التي لا جدال فيها بأن مجتمعنا مازالت تحركه العواطف ويقوده التعصب، لا دور فيه للعلم ولا للعقول ولا للمعرفة إلا قليل، وكما قيل قديماً: جادلت عالماً فغلبته، وجادلت جاهلاً فغلبني. إن العالم يقف عند حدود الحقيقة، ويميز الصواب للتمييز بين الحق والباطل. 

أحبتنا في اليمن الذين تناولوا سلسلة هذه المقالات كشفت لي تعليقاتهم أن الأعصاب متوترة، والأنفاس متصاعدة للسباب والقذف والشتائم، وهذه النزعة كشفت عن مستوى الثقافة التي ينطلق منها جمهور بعض الزعماء الذين يتلاعبون بالأهواء، والعواطف. ويمسخون التأريخ ويشوّهون وجه القمر ولو بالبصاق على صدورهم. 
بل إن بعض الموتورين بمجرد أن يرى عنوان الموضوع واسم الكاتب يندفع بالكتابة من اللاوعي، وهذه هي الكوادر التي تقود الرأي العام من خلال صفحات الفيس بوك ومقايل القات في اليمن. 
ما قلت إلا دعوة محبة للتسامح العام، والتصافح، وإلغاء سلوك وأحقاد الماضي في الشمال وفي الجنوب، ولم أقل يوماً أن الوحدة مقدسة، أو أن الوحدة يجب أن تفرض بالقوة، ولم أقل أن الإخوة الحوثيين غير منطقيين في موضوعات مطالبهم من ما مستهم من بأساء وضراء، ولم أتهم الإخوة في تجمع الإصلاح مستأثرين ومستحوذين على غيرهم بل كلما دعوت إليه مجملاً هو: 
التوقف عن المزايدات واللعب بمشاعر العواطف، ودعوت أن يتحاور الإخوة الجنوبيون مع الإخوة الجنوبيين أولاً فيما بينهم، وينتخبون قيادة واحدة تمثل الجنوب في الحوار وأيما شيء يتفق عليه بعد الحوار ويترتب على نتائجه خاصة ومايزال بن عمر في القاهرة يلملم الزعماء الجنوبيين؛ بعضهم يوافق، وبعضهم يرفض، وبعضهم يشترط وبعضهم حاضر، وبعضهم غائب، لا أحب أن أسمي، وهذا الحوار المسبق هو الذي يجب أولاً، خشية أن يتشظى الأحباب في الجنوب كما سبق، وكما دعوت الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح والإخوة الحوثيين لحوار شمالي شمالي داخلي أولاً، حتى يساعد على نجاح الحوار العام وحتى لا يتشظى الشمال، ودعوت الرئيس هادي لاتخاذ ثمانية قرارات جوهرية تطمئن الأطراف في الشمال وفي الجنوب وفي مقدمتها دمج الجيش، وإلغاء كل أوامر تمليك وصرف المساحات الكبيرة من أراضي الدولة لأي كان، إلا ما كان في حدود سكن شخصي محدود، وقلت أن يبدأ بي أنا أولاً، ودعوت من وجد لي بيتاً أو أرضاً في المحافظات الجنوبية كاملة، فهي له. ولأكشف ثقافة المضللين والاتهاميين بالزور. وليعلم الجيل أن مصادره المستفزة شائعات مضللة وغير نزيهة. وكمال قال المثل: (المية تكذب الغطاس). 

ودعوت إلى الاستماع لرأي غالبية الشعب ورغبة أغلبية الجماهير في الشمال وفي الجنوب، وهو الذي يجب أن يتم القبول به، واقترحت مجرد رأي أن الفيدرالية متعددة الأقاليم هي الحل الوسط حتى لا تتشظى البلاد، وتحدثت عن ضرورة انتخابات شعبية عامة والاستفتاء الشعبي وما اختارته الأغلبية فهي إرادة الله، فما الذي إذا جعل الأحباب لا يقرأون وإنما يناقشون بعصبية وتوتر، (ما هكذا يا سعد تورد الإبل) أما بعد: 
بعد أن تناولت قضايا الشروخ البارزة على السطح، فما هي الشروخ التي تتوثب لبركان أشد؟ وما هي قضية الأكثرية العددية في المحافظات الجنوبية الشمالية: تعز، وإب، الحديدة وريمة، والتي تشكل حوالي ثلثي سكان اليمن، بل وفيها الأغلبية الثقافية، والأغلبية السياسية، والأغلبية الصامتة، والأكثرية المدنية، أيظن المتحاورون من جميع القوى أنها دون قضية؟! أو أنها ستظل دون قضية، ودون ممثلين في جوقة الحوار والمتحاورين؟. 
 هذه الكتلة البشرية الكثيفة هي المرجح الدائم في مناخ الديموقراطية لتقرير مستقبل البلاد، وهي التي تجلد بسبب الروح السلمية، ولأنها أكثرية، المدنية المثقفة غير مسلحة، والتي تسلحت قبل المناطق ذات النزعات القبلية الحادة؛ تسلحت بالقلم والكتاب والاغتراب، ونشر التعليم، في وقت مبكر من تأريخ اليمن الحديث، يوم كانت بقية المناطق القريبة من العواصم اليمنية عدن وصنعاء، تتسابق على الالتحاق بالسلك العسكري، والتجند في سلك قوات الأمن، وتقتني السلاح، وترى أنه السبيل الوحيد للاستئثار بالحكم والنفوذ والتسلط على الآخرين. 

 فها هي القوة وها هو السلاح وهاهم المتسلطون نكصوا جميعاً تحت وطأة الجماهير العزل، وها هي الأغلبية الصامتة نطقت، ولن تكون أقل شأناً من صعدة أو من أبين، أو الضالع.. أيظن المتحاورون أنها لا قضية هناك لهذه الأكثرية العددية؟ ألا يشعرون ببراكين الغبن والانتقاص، وأنهم سيظلون أتباعاً وبعيدين وصامتين عن حقهم في إدارة أنفسهم في ظل دولة فيدرالية لا تسمح بتسلط البعض ضد البعض، وأن تحكم الأغلبية العددية نفسها إدارياً، وإن لم تكن نتائج الحوار فيدرالية لأكثر من إقليمين فلن تكون هناك فيدرالية لإقليمين فقط، ولن تكون ثلاثة أقاليم فقط وهي الجنوب، والشمال، وشمال الشمال، هيهات هيهات. 

إنني أبغض العنصرية والطائفية، والمناطقية وألعنها صبحاً وعشية، مؤمناً بالعدالة والمساواة بين كافة المناطق والمحافظات والأقاليم والشعوب، دون أي اعتبار لمذهب أو طائفة أو منطقة. فالجميع في عين القانون والشرع سواسية كأسنان المشط، لكن الذي كان فيما سبق؛ هو إن كانت هناك وماتزال نعرات جاهلية واستعلاء واستقواء. ومحاصصة جائرة ما أنزل الله بها من سلطان، فتـتكبد الأغلبية الصامتة مرارات الاستبداد، وظلم الابتزاز منذ عقود، ونحن لا ندعو إلى عصبية ولا إلى تمزيق اليمن، ولا أنكر أن جدنا الأول والعاشر والمائة والألف واحد، من حاضرة الحبوظي شرقاً إلى مضر شمالاً وغرباً. فهيهات أن نقدس التمزق أو التشرذم، أو نتجرد من جلدتنا اليمنية: السبئية، الحميرية، المذحجية، الكهلانية. وما نرى من ممارسات الاستقواء والابتزاز لا أسميها عنصرية ولا مناطقية، ولكن كما سماها المرحوم الشاعر الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان رحمه الله فقال: هو الحقد على التفوق. وهذه المقولة هي جوهر المشكلة، ومنها تخضيع التمايز الثقافي والموروث الاجتماعي لصالح الهمجية البدوية القبلية سواء في عدن أو في تعز أو في حضرموت ولحج، أو في الحديدة وإب وزبيد، فالجرح والمشاعر واحدة، وهنا فإنني أدعو المتحاورين ومن ورائي أكثر من ثلاثة عشر مليون نسمة من سكان غرب جنوب اليمن إلى وضع اعتبار فيدرالي لهذه المحافظات والأغلبية العددية، وفي حالة أن منطقة شمال الشمال وجنوب الجنوب الشمالي نالت أي شكل من أشكال الحكم الفيدرالي، فإن المتحاورين إذاً يقومون بردود أفعال وليس حواراً يكفل تدابير حلول جذرية لجميع أوجاع اليمن. 
shemiry@shemiry.com