الخميس“ 25 أبريل 2024 - 02:16 ص - جرينتش

شروخ في جدار الوطن (17) .. خلف الكواليس العجب


بقلم/ د. عبد الولي الشميري 
الإثنين 14 يناير-كانون الثاني 2013م

شروخ في جدار الوطن   «17» 
كنت على سفر، وكان بجواري في الطائرة أحد رجال المنظمة un الدولية المهمين، كان في طريقه إلى نفس اتجاهي، سبق لي معه لقاء ذات حين في إحدى المؤتمرات الإقليمية، تذكرنا بعضنا وجددنا التعارف على حاضر العرب ومستقبلهم، كان الرجل الغربي الذي ينتمي لقوم سيدنا موسى متطلعاً لمعرفة رأيي؛ وكنت أكثر منه تطلعاً، كان وزيراً سياسياً في بلده الذي يعتبر من أهم الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن، بدأ الحديث هامساً ومتدرجاً وروتينياً خلال الساعة الأولى، ثم اتخذنا منعطفا جاداً بعيداً عن المجاملات الباردة، لقد سألته ما سررعايتكم واهتمامكم بالقضية اليمنية وتدخلكم لتبني المبادرة الخليجية؟ مع أنها تتناقض في كثير من قيمكم الديموقراطية، فابتسم مندهشاً وقال: هناك مصالح ومخاطر تتعلق بالأمن القومي لدولنا الكبرى في اليمن، ومن أجلها نتخلى عن بعض قيمنا الديموقراطية، وأعرافنا السياسية، فاندهشت قائلاً: وما تلك المصالح؟! فقال: إنها تتمثل في دفع الضرر الذي سيلحق أمن ومصالح دولنا بلا شك! واستطرد قائلاً: من حسن حظكم أن لديكم وسائل ضغوط أهم من أي قوة ضاغطة لكنكم لا ترونها، بل وتضيقون بها ذرعاً، وهي الإجابة الصحيحة على تساؤلك. 
تساءلت هل أنت تحدثني بصفتك منتمياً للمؤسسة الدولية (الأمم المتحدة)؟ أم بصفتك وزير.....في دولتك العظمى؟ فابتسم ساخراً، وقال: هل تستطيع التفريق بين دولتي والمنظمة الدولية؟!! واستطرد أنتم في اليمن تمتلكون مهدداً أخطر من البرنامج النووي الإيراني، وأهم من النفط الخليجي، ولذلك هبت الدول العشر لرعاية المبادرة الخليجية. 

وهنا طلبت منه التوضيح ما الذي هو أخطر من البرنامج النووي؟ أجاب فوراً: تنظيم القاعدة، ولولا وجود هذا التنظيم لما التفتنا إلى ما سيجري في اليمن، ولا يهمنا ديكتاتوراً ولا ثورة، قلت له: فما الذي لدينا أهم من النفط؟ قال مضيق باب المندب، فبدأت أناقش بعدم اقتناعي فرد ليس مهماً أن تقتنع الآن، ولكن الاعتبارات المنطقية تقتضي خوف بعض الدول الكبرى الراعية للمبادرة الخليجية من بعضها البعض، وهناك قوة تعمل رغم كل هذه الجهود الجماعية والتقدم الجيد والشراكة في ملف المبادرة فإنها تحاول من خلال حلفائها في المنطقة على التغلغل والاقتراب للسيطرة المستقبلية على مضيق باب المندب. ونحن نفهم كل التحركات ونتابع كل التسللات، ولو كانت بطريقة الزحف البطيء المخادع، هنا تلعثمت متسائلاً: من تلك القوة؟ ومن تلكم الحلفاء؟ قال: اعتبرها لغزاً سياسياً أنت أجب على السؤال الأول وسوف أجيبك على الثاني: قلت هل تقصدون بالقوة روسيا؟ فأشار بإبهامه نعم نعم، وبالتالي من هم حلفاؤها في المنطقة؟ أجاب إيران: وبالتأكيد تعمل للزحف إلى باب المندب انتهى ولا تعليق. 

انتقل الحديث عن أهمية وثقل دول المنطقة في لعب دور اللاعب المحتوي للثورة والأزمة اليمنية، فقال: هذه المنظومة منطلقاتها غير استراتيجية وليست صاحبة مشروع استراتيجي في المنطقة، فضلاً عن اليمن، ولكنها مجرد ردود أفعال وقتية ومهدئات زمنية لمعاناة التخوف من المد الثوري والعدوى من الربيع العربي، أما سياستهم في احتواء القضية اليمنية لما في اليمن من مخاطر أمنية وتخوفات في نظرهم لا تقلقنا؛ ولكنها تقلقهم، سألته ما تلك التخوفات؟ قال: ببساطة الحركة الحوثية أولاً، قلت: أليست في نظركم امتداداً لإيران كما يعتقد غيركم؟ أجاب: نظرتنا من منطلق مصالح وليست من أيدلوجيات، صحيح أننا نرى الحركة الحوثية هي وسيلة تمدد تتبناها إيران للوصول لمضيق باب المندب والسيطرة على البحر الأحمر، ذلك ما جعلنا نقف وراء احتواء الثورة السلمية للشباب، والحيلولة دون السماح بانفراط عقد الجيش والأمن بشكل يؤدي لخلط الأوراق وانخراط مقاتلي الحوثيين وتنظيم القاعدة، في المواجهات الدامية، ولكن الأنظمة الخليجية تعتبر موقفنا هذا من أجل نصرالعقيدة الوهابية؛ لأنها عقيدة الأصدقاء، وفقاً للأعراف القبلية الموروثة، ولم نستطع حتى اليوم إقناع هؤلاء بأننا لا نعطي العقيدة أفضلية على عقيدة الشيعة الأخرى؛ فمذهبنا العلماني وفكرنا السياسي يقوم على المصلحة أولاً مع الالتزام بحد ولو أدنى بالقيم الديموقراطية لتنظيم الحياة السياسية في دول حلفائنا، وسواء جاءت من سني أو شيعي، أو لا ديني أو بوذي، لكن الأكثر تسهيلاً وتقديماً لمصالحنا هو الصديق رقم واحد، والمشكلة أن دول الخليج تقدم الطاقة وعوائدها عيناً ونقداً؛ ولكن إيران تقدم الحد المطلوب من مصالح القيم الديموقراطية، وشحيحة في تقديم المصالح المادية والعقود النفطية، ولا مشكلة أخرى. قلت: والبرنامج النووي؟ ضحك ضحك حتى قهقه ثم قال: هذا ثعبان من البلاستك عنصر تخويف لإرضاخ دول الخليج ولن تسمح حتى روسيا ذاتها ولا الصين بأن تمتلك إيران ذات الأيدلوجية المتشددة سلاحاً نووياً. 

وقبل هبوط الطائرة تحدث عن أن إيران لها استراتيجية مدروسة تؤدي لتشكيل العالم العربي إلى محورين متعاديين، الأول: محور الدول الملكية القلقة من أي ظاهرة لوصول الربيع العربي لشعوبها، على أن تلعب هذه الدول دوراً بدعم المنهزمين المعادين لأنظمة الربيع العربي وإعلان العداوة لها. 
وفي نفس الوقت ذاته تعمل على تشكيل المحور المقابل وهو: مجموعة دول الربيع العربي، وهذه الدول قد تضطر للبحث عن نصير ولو متطرف يدعمها مالياً من أجل رفع قدرتها على مواجهة ضغط الدول الملكية، وقد لا تجد تلك الدول سوى إيران التي بدأت تشكل الطوق الأيدلوجي، ومن هنا ستنهزم المجموعتان أمام بعضها البعض، وسترهق مادياً ويتسع النفوذ الإيراني ويتحالف مع من يطبع وجوده في كامل المنطقة، وما تراه اليوم من التوترات إنما هي جزء من ملامح صراع مرير. 
وبعد تناول الغداء الطائر أعدنا المطارحة في الحديث السياسي، وانطلقنا لمصر وإسرائيل وسوريا بما يكفي للحلقة القادمة إن شاء الله. 

shemiry@shemiry.com