الخميس“ 28 مارس 2024 - 02:30 م - جرينتش

شروخ في جدار الوطن (18) ..وراء الكواليس العجب (2)


بقلم/ د. عبد الولي الشميري 

الإثنين 21 يناير- كانون الثاني 2013م

عندما نتحدث عما لدى الآخرين من الفكر والعمل الدؤوب المتواصل لصناعة رؤى واستراتيجيات، وخطط وبرامج، وتدريب فرقاء عمل؛ تعمل في الليل والنهار كخلايا النحل، إنما ليعلم قومنا أننا ننام ونقضي الأوقات في ما لا ينفع، في لغو، في لهو، في نشر الشائعات، في الخناقات، أو في المقايل أوالقهوات، إما ضد الفلول أو ضد الثورات، ومنا من يصدر صحيفة ومنا من يطلق قناة، ومنا من يتخذ ديوانية، ومنا من يفتح قهوة عامة، وكلها منابر لهدفين: إما للنيل من بعضنا البعض، بنشر الشائعات والشتائم، أومحاولة لصناعة الصورة الذهنية الخاطئة عن بعضنا لإشعال القلوب بنيران الأحقاد والعداوات، ثم في آخر المطاف نعقد المقارنات بيننا وبين الآخرين؛ فنشعر بالحسرة والقهر، ثم الحقد والغضب، نتحدث عن الأجانب وكأنهم سلبوا نجاحنا بالسرقة وابتزوا مجدنا بالاغتصاب، ثم نبرر فشلنا بنظرية التآمر ضدنا، أولئك نحن عرب اليوم. 

أما بقية حواري في الحلقة السابقة مع الرفيق الذي نحن بصدد مواصلة حديثه على الجناح الطائر، فقد تناولنا معه الحديث عن دولة إسرائيل ومصر وسوريا، وكان واضحاً وصريحاً للغاية في المسألة الإسرائيلية والموقف من دول الربيع العربي، وانشغال إسرائيل بملفات أبعد مما يخطر بالبال، حيث اتجه بعيداً عما كنت أتوقع إذ قال: 

القضية الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي موضوع شبه محترق، قلت: يبدو أن عمليات المستوطنات غير المصرح بها أمريكياً تسببت في جفوة اقتصادية بين الغرب وإسرائيل.. أليس كذلك؟ ابتسم متسائلاً: إسرائيل لم تعد تحتاج دعماً اقتصادياً من أحد، هل تظنها بحاجة لمجموعة المانحين أو إلى البنك الدولي؟ ثم انتقل الحديث من السياسة للاقتصاد، واسترسل وكأنه وزير اقتصاد لإسرائيل قائلاً: إسرائيل اليوم تمتلك مخزوناً من الاحتياط النقدي فوق ما تتخيلون، وتفوق مدخراتها من الألماس والذهب والجواهر ما تمتلكه الدول العربية والإسلامية مجتمعة عدة أضعاف، سألته من أين امتلكت كل هذا بلا نفط ولا غاز؟!! أحسّ بامتعاضة من هذا السؤال، والتفت مبتسماً بسخرية قائلاً: أنتم العرب تجهلون أن الصناعات الإسرائيلية المنتشرة من الصين إلى اليابان إلى أوروبا إلى الهند وأمريكا اخترقت معظم أسواق الدول العربية التي كانت تقاطع الشركات الغربية، لمجرد أنها تعاملت مع إسرائيل تجارياً، واليوم المصنوعات والمزروعات الإسرائيلية تصل معظم الدول العربية بعلاماتها التجارية الدولية، ومد يده إلى الكرافيت على صدري وقال: مثلاً انظر ماركة هذه التي ترتديها؛ فإسرائيل تمتلك 60 % من هذه الشركة، واسترسل: المنتجات الإسرائيلية في أسواق العرب لها أولوية على المصنوعات في دول الرفض والمقاطعة العربية، وأصبحت إسرائيل مستولية على سوق الصادرات التجارية، وسوق الخبرة في معظم دول إفريقيا، وبعض دول إفريقيا تعتمد على إسرائيل حتى في برامج التدريبات العسكرية، وقد حققت اختراقات اقتصادية في العمق الأفريقي، وتساءل: هل تعلم أن إسرائيل هي صاحبة أكبر امتيازات حصرية في التنقيب عن الذهب والجواهر الثمينة في 14 دولة أفريقية من أغنى مناجم المجوهرات؟ وعليك أن تذهب لبحيرة فيكتوريا والجنوب الشرقي لأفريقيا وتسأل عما هنالك، ومع هذا التمدد أصبحت هناك بالضرورة صانعة قرارات سيادية، وراسمة لسياسات مستقبلية في هذه القارة، بينما الدول العربية يهتمون بدول الجنس الأبيض الآسيوية، وهنا أبديت اندهاشي في غضب وقلت: ذلك امتداد طبيعي للدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا، رد على الفور: لا أقصد تلك الدول، وولى بوجهه مبتسماً: أقصد مثل (بنكوك)!! 

ثم أخذت منه زمام الحديث عائداً به إلى العلاقة الإسرائيلية المصرية بمجموعة أسئلة نقاشية في شكل مداخلات، وعن رؤيته قال: إنها مرحلة غير مبشرة لإسرائيل، ولكنها تقتضي سياسة ضبط النفس؛ لأنها أشبه بحرب باردة في ظل دولة بحجم مصر يقودها حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون)؛ فلا يمكن للطرفين أن يجازفا في توتير العلاقات، خاصة وكلاهما يعتمد أيدلوجية عدائية نحو الآخر، فأي صدام مع إسرائيل سيدخل التجربة لحكم الإخوان المسلمين مرحلة حرجة في أعين الغرب، وستغير كافة الدول من وجهة نظرها التي اقتنعت بها بأن الإخوان المسلمين مرنون، وأوعى التيارات الإسلامية في البعد السياسي، ومعرفة الأبعاد الكاملة لتبعات البدء بحرب مع إسرائيل، وإن كانت إسرائيل غير مستبعدة صداماً مستقبلياً، فالأيدلوجتان في حالة عداء مزمن. وثقافة الإخوان مشوبة بالبكاء والحنين على (صلاح الدين التركي) قلت له : الأيوبي، فرد هو: ليس عربي، قلت: كردي مسلم، حاكم مصر والشام والجزيرة العربية، واستطرد قائلاً: الرئيس المصري محمد (مرسي) قد أدرك تماماً أن أشقاءه في بعض دول الخليج يفضلون إيران الشيعية، من مصر السنية في ظل حكم الإخوان المسلمين، كما أدرك الرئيس مرسي أنه دفع ثمن انتصاراته المتتالية في صناديق الانتخابات؛ بأزمة اقتصادية خانقة، وطبعاً يقف من ورائها قوى الضغط المالي (إخوانه الخليجيون)، قلت: هل ترون مبرراً واضحاً لذلك العداء؟ فرد: لا يحتاج لرأي، فبعد أن عجز فلول نظام حسني مبارك عن إقناع إسرائيل باتخاذ موقف صدامي عسكري مباشر مع مصر، من أجل إسقاط حكم الرئيس مرسي - لأن إسرائيل لها استراتيجية لا تنجر عنها ولا يهمها إلا مراعاة مصالحها، فعجزوا فعلاً عن جرها للدخول في معركة مفتوحة مع نظام الثورة المصرية لخنق نظام الرئيس مرسي - اتجهوا للخليج مستعطفين، ولأن العرب يفكرون بعواطفهم وثقافة القبيلة حتى نجحوا في خلق روح عدائية مع النظام الجديد في مصر، واندهشت لزعمه إلى حد المراهنة أن بعض قيادات جبهة المعارضة المصرية تلقت دعماً مادياً سخياً من عدة دول تخشى وصول الربيع إليها، وأيضاً تلقت أموالاً من الرئيس اليمني السابق، فتذكرت قول الشاعر الحكيم: (إن المصائب يجمعن المصابينا). 

وعن الثورة السورية تجاذبنا الحديث وتوافقنا على أن السبب الرئيس لعدم السماح بالحسم الثوري وعدم رحيل بشار عن السلطة هو: أزمة عدم التوافق الغربي والعربي على القيادة البديلة التي ستلتزم بعدم نقل الثورة إلى الجولان، وأن تنهج نفس نهج الأسد، وهو: الاحتفاظ بحق الرد. 

وقال: المعركة الحقيقية في سوريا بين إيران من جهة وبين تركيا من جهة أخرى؛ ولكن بعض دول الخليج تقدم مساعدات مالية وإعلامية من باب النكاية بإيران؛ لكنها لا ترغب في البديل الثوري لا في سوريا ولا في غيرها. 

وهنا نرى جلياً - لو قرأنا ما بين السطور - لوجدنا من وراء الكواليس حركة دؤوبة ودولاب عمل إسرائيلي متصل في الاتجاه الذي يحقق الأهداف، بينما دولنا وشعوبنا العربية متفرغة لأعمال الشغب، والضجيج، والشعارات، لهدم المعبد على رؤوس من فيه. 

أما بعد: ماذا عن يوميات اليمن الحبيب، فحتى لا تطول أزمة الحوار المحتبس بالشروط والمطالب، أتمنى على الرئيس (هادي) أن لا يحيج نفسه ولا يحيج مؤتمر الحوار إلى تقرير لجان دراسة الأسماء الذين سرحهم النظام السابق من الجيش والأمن والوزارات، وليصدر قراراً جمهورياً بعودتهم جميعاً للخدمة دون استثناء، فمن أجل عيون الوطن لابد من تجاوز المحن، وعلى الرئيس أن يتذكر أن في أول تحقيق الوحدة تم إلحاق مائتي ألف بالجيش والأمن من أصحاب الحوانيت في صنعاء، ومن الجمعيات وعمال الشحن والتفريغ في موانىء الجنوب في سباق محموم بين الشريكين صالح والبيض؛ لاسترضاء من يقفون بجانبه، كما أصدروا من دهاليز في صنعاء وفي عدن بطائق عسكرية برتب رائد ومقدم ونقيب لعدد 20 ألفاً من أصدقائهم وصديقاتهم وألحقوهم بكشوفات السجل العسكري في الجيش والأمن من الذكور والإناث، حتى إن بعضهم شملتهم سيول التجنيد والرتب العسكرية والترقيات، وكانوا مغتربين في أمريكا ودول الخليج منذ سنوات، وبعضهم من التجار، والصيادين، وقالوا: إن ذلك من أجل الوحدة، وصاروا بعد ذلك عقداء وعمداء، وقادة، فماذا عليك أيها الرئيس لو أصدرت قراراً من أجل الوحدة ومن أجل الحق، ومن أجل الصحيح، ومن أجل رفع الظلم عن أولئك الذين سرحهم النظام السابق، وكيفما كانوا ليعودوا بنداء إلى وحداتهم، من أجل يبدأ الحوار. 

وقد سعدت بتشكيل لجنة فحص وإعادة الأراضي والبيوت التي تم السطو عليها في الجنوب، وخاصة عدن من قبل النظام السابق وبأوامره، لكن ما ينقص ذلك القرار أمران مهمان، وأرجو استدراكهما: 

 الأول: أن يكون ضمن اللجنة الخاصة بإعادة الممتلكات المنهوبة من الدولة ومن حق الأهالي.. أغلبية من رجال ونساء الحراك الجنوبي الذين يعتبرون شهوداً لله، وللحراكيين الجنوبيين بأن ما اتخذته اللجنة حق وصدق. 

وثانيهما: أن يشمل القرار أيضاً أراضي الدولة والمواطنين المنهوبة في الحديدة وتعز أيضاً، ولا أظن أن أبناء هاتين المحافظتين سيكونون أقل صوتاً وسوطاً، من إخوانهم في عدن وحضرموت.. 

إذا هبت رياحك فاغتنمها 

فعقبى كل خافقة سكونُ 

ولا تغفل عن الإحسان فيها 

فما تدري السكون متى يكون

shemiry@shemiry.com