الجمعة“ 26 أبريل 2024 - 03:27 ص - جرينتش

أسبوع في أسكوتلاندا.. ثقافة وتأريخ


(أوسكتلندا) قبل ألف عام كانت مهدا لبناء الحضارة الأوربية، تقع على بحر الشمال للمملكة المتحدة البريطانية، وهي ذات تأريخ عريق وطابع متميز لا يشبه مدن أوربا، حياة مدنية راقية وحضارة متراكمة ومتواصلة منذ أكثر من ألف عام، سكانها 5,295,000 وعاصمتها المذهلة مدينة إدنبرة التي تبهر القادم إليها بكل شئ سواء بطابعها المعماري الفريد وقصورها الفخمة من حجارة جبالها، وبتضاريسها الأجمل التي تشبه كثيرا تضاريس الأندلس وأكثر شبها بـ(غرناطة) و( قرطبة) لكن مبانيها الصخرية المنسقة كأنها نقش يدوي في لوح من البلور، ونظامها المعماري أقرب إلى الطراز الروماني، وتخطيطها النادر جعلوا منها أجمل المدن قاطبة في أوربا.
أما حضارتها التليدة تمثل توأما للحضارة العربية الإسلامية في بلاد الأندلس، إلا أن التأريخ الديني المسيحي بدأ قبل حيث توجد أضخم كنيسة في العاصمة الثانية جلاسجو التي ولد فيها الراهب (كنت جرين) سنة 612 للميلاد، لقد كان بينها وبين الحضارة العربية في الأندلس تبادل معرفي وثقافي، وبروتوكولات تعاون، لكن اسكتلاندا كانت من أوائل الدول التي قادت الحرية، وشاركت الشعب في انتخاب برلمانه.


ومن أبرز المعالم التأريخية قلعة إدنبرا الشهيرة، على يد الملك ديفيد الأول حوالي 1130 بعد الميلاد حيث أقيمت على أنقاض مساكن قديمة من العصر البرونزي حوالي 900 قبل الميلاد في ذلك الموقع الجغرافي الفريد والتي تدر دخلا سياحيا كبيرا للمدينة كل عام، وقد شهدت احداث وحروب من اجل السيطره عليها في صراع محموم بين الإنجليز والأسكتلانديين في عام 1174 حين احتلها الإنجليزي واستعادها الملك ديفيد الاول مرة اخرى في عام 1296 من يد الإنكليز، وقام بتدميرها حتى لا تكون حصنا لأي غازٍ مرة اخرى ولكن الإنجليز سيطروا عليها مرة أخرى في عام 1335 وأعادوا بناءها، واستمر الصراع عليها حتى انضمت أسكتلاندا إلى بريطانيا 1707م وشهدت القلعة آخر قذيفه حطت فيها على يد الالمان في عام 1916 من منطاد طائر خلال وآخر المباني الحديثه التي بنيت في القلعه هو مبنى لتخليد اسماء من سقط من الأسكتلنديين في الحروب العالميه الأولى والثانية، وحتى حرب افغانستان والعراق. ويأتي بناؤها متزامنا تقريبا لقلعة صلاح الدين الأيوبي في مصرالتي تعرف اليوم بقلعة محمد علي، وتعاصر تقريبا قلعة صيرة التي تنسب على الأشهر لعصر الزريعيين في عدن، لكن قلعة القاهرة المطلة على مدينة تعز ولدت في أول العصر الصليحي الإسماعيلي في اليمن، قبلهم بتسعين سنة تقريبا.


وفي عاصمة اسكتلندا يوجد متحف وطني كبير، لا تكفيه الزيارة ليوم واحد، وفي هذه المدينة يرسو اليخت الملكي البريطاني الذي طافت به الملكة إليزابيث المحيطات والتقت فيه بمعظم زعماء العالم، وطافت به مستعمراتها القديمة حول العالم، وفي هذا اليخت الذي يمثل فندقا ضخما يوجد متحف عظيم مفتوح للزائرين وفيه كل هدايا زعماء الدول، وأزياء البلدان التي زارتها. وهو اليخت الملكي الذي كان موجودا في خليج عدن وقام بإجلاء عدد كبير من عدن خلال حرب أجنحة الحزب الإشتراكي سنة 1986م وفي وسط المدينة يقع مسجد للمسلمين من أنظف وأجمل المساجد الذي أدينا فيه بعض الصلوات. لقد كان على مقربة من فندق (بالامورول) الذي سكنت فيه.


لقد زرت البرلمان الأسكوتلاندي صحبة مساعد لرئيس مراسيم البرلمان السيد: (جيم) الذي أعطاني درسا تأريخيا عن هذا البرلمان الذي يرجع تأريخ تأسيسه إلى سنة 1235 م أي منذ حوالي 784 عاما في منطقة (هولي راود) بمنزل معروف باسم (كوين زبري هاوس) لكن بعد 5 قرون تقريبا وفي عام 1707م عندما اندمجت اسكوتلاندا مع بريطانيا في المملكة المتحدة، وبموجبه تم حل البرلمان الأسكوتلاندي وانضم أعضاؤه لمجلس العموم البريطاني، في ( وستمنستر) في لندن.

لكن مع تصاعد التبرم للشعب الأوسكتلاندي من استمرار الاتحاد مع بريطانيا بسبب أن معظم الموارد السياحية والتجارية والنفط والغاز والزراعة والثروة الحيوانية كبيرة جدا لأسكوتلاندا ويفوق دخلها نفقاتها بعدة أضعاف. ولأن الشعب الأسكوتلاندي يمتلك كل مقومات الحضارة الأقدم، واللغة الخاصة، وله عمله تساوي قوة العملة البريطانية، فقد قرر الشعب الأوسكتلاندي استعادة برلمانه لعاصمته بعد 294 سنة من الإتحاد حيث أقر قانون استعادة البرلمان سنة 1997م وقبل مجلس العموم البريطاني واعتمد مليار وأربعمائة مليون جنيه استرليني، وتساوي اثنين مليار دولار لمبنى البرلمان الجديد في نفس المكان القديم الذي بني قبل حوالي 800 عام وافتتح المقر الجديد في سنة 2004م بحضور الملكة اليزابيث وقام بالهندسه المعمارية العالمي ( ميرالس) وقامت بتشيده أشهر شركة معمارية أوربية (برشلونا للإعمار) وزرعت حديقته بشجر(الخزامى) و(إكليل الجبل) ولأن الإسكتلنديين يعتقدون كثيرا بالأشباح والأرواح الشريرة، فقد زرعت الملكة بيدها شجرة (السمن) في فناء المبنى لأن الأسكتلانديين يعتقدون أنها تطرد النحس والأرواح الشريرة.


أعضاء البرلمان الإيرلاندي 129 عضوا ينتخبون جميعا كل أربع سنوات بظام خاص،.لكن هذا البرلمان يناقش كل ما يهم حكومة اسكتلاندا ما عدا قضية الجيش والدفاع والخارجية، فما تزال ضمن اختصاصات مجلس العموم البريطاني. لافتات كبيرة تملأ جدران البرلمان والقلاع والمتاحف صورتها هنا تقول: نحن لا نحارب من أجل العظمة، ولا للغنى، ولا للمكانة، ولكن من أجل الحرية التي لايجوز لرجل حر أن يتخلى عنها.
أما مدينة جلاسجو العاصمة الثانية فليست أقل عراقة ولا مدنية ولا معالم من العاصمة، ويظهر في الصور مبانيها وفي طليعتها ميدان المجلس البلدي، الذي يتوسط أعرق ميدان فيها وهوالمكان الذي تم تتويج الملكة فيكتوريا فيه سنة 1888م لكن الأعظم فيما رأيت أن أعظم تمثال وأعلى تمثال ينتشر في كل ميادين العاصمة ادنبرة وأعظم ميدان في جلاسجو هو تمثال الكاتب الأديب الأسكتلاندي ( وولتر اسكوت) وشيدت له أبراج شاهقة بفن معماري فريد، يدل على اعتزازهم بالثقافة والأدب، وتمثال أخر لـ(ألكسندر جراهام بل) أول مخترع للتليفون الأرضي التلجراف.
كما توجد حديقة للنباتات الفريدة تمثل متحفا آخر للسائحين وفيها 10000 ألف نوع من الأشجار المستوردة من أنحاء العالم، ولم أجد فيها شجرة (دم الأخوين) الموجودة في جزيرة سقطرى.