ديوان ابن هتيمل"درر النحور" ديوان رائع من دواوين الشعر اليمنى فى القرن السابع الهجرى وابن هتيمل رائد عظيم من رواد البيان وشاعر بليغ شامخ الذرى والأركان عاش فى تضاعيف القرن السابع الهجرى الذى يوافق القرن الثالث عشر الميلادى جواباً فجاج اليمن ، وصحارى الحجاز ، وهضاب عسير ، مهنئاً، ومحرضاً، ومادحا،ً وشافعا،ً ومعزياً ،وشاكياً، ومتسولاً ،وناصحاً ،ومصلحاً.يرافقه العلم الواسع والأدب الجم.
وهو النسابة المدقق و المؤرخ المحقق الذى ترك لأبنائه أبناء العربية الفصحى ميراثاً لم يورثهم نظيره ملوك زمانه ولا العلماء الفصحاء من أقرانه. إن ذلك الميراث العظيم هو ديوان "درر النحور" وقد حققه الدكتور عبد الولى الشميرى فى ثلاثة أجزاء ليقدم بذلك خدمة كبيرة لعشاق الأدب الراقى والفن البديع. وتركز جهده فى إبراز النص الشعرى سليماً من الخلط والتكرير ومعافاً من التصحيح والتحريف، مع دراسة فنية متكاملة ووقفات نقدية شاملة ، ثم جمع مجموعة من الوثبات تنم عن عملاق فحل من ورائها فى علوم اللغة والكلام والأنساب والأداب والبلاغة والفصاحة والموهبة الربانية السخية . وقد بذل د. الشميرى جهداً مرموقاً فى جمع النسخ الأصلية للديوان ما بين مخطوطة ومطبوعة وقابل بين هذه النسخ فى دأب مخلص لتقديم أكمل صورة مستطاعة للديوان خاصة وأن النسخ الموجودة يرجع عمر أقدمها إلى ما بعد وفاة الشاعر بحوالى ثلاثة قرون.
واعتمد د. الشميرى على مجموعة ضخمة من المراجع والمصادر والأمهات يتجاوز عددها 230 مرجعاً موزعة بين مختلف العلوم والفنون ما بين الشعر والأدب والبلاغة والنقد والتاريخ والجغرافيا والأعلام والتراجم واللغة والنحو...الخ.وكان يبرز معانى المفردات الصعبة ويشير للمعنى العام للأبيات إذا ما وجد ضرورة لذلك كما كان يشير للمناسبة التى كتبت فيها القصيدة ويوضح دلالات الإشارات التاريخية والجغرافية وأسماء الأعلام .ويصحيح بعض الأغلاط التى وقع فيها نساخ الديوان.
وتحقيق الديوان جاء على ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: شمل مقدمة تعريفية بالشاعر والديوان والمنهج المتبع فى التحقيق ثم الملامح العامة للنسخ الموجودة من الديوان مع وصف تفصيلى ونماذج مصورة منه.ثم بدء المحقق فى سرد القصائد بحسب الترتيب الهجائى للقافية فشمل الجزء الأول قافية الألف حتى قافية الظاء.وشمل حوالى 128 قصيدة و3583بيت شعرى. الجزء الثانى : بدأ من قافية العين حتى قافية الياء. وشمل حوالى 171 قصيدة 4796بيت شعرى. والمدهش أن د. الشميرى قد ألحق بالديوان فهرساً بموضوعات القصائد ومع كل قصيدة وزنها وفهرساً للقصائد ومعها بحورها وفهرساُ ثالثاً بمطالع القصائد ويتقدم تلك الفهارس ثبت المراجع والمصادر. الجزء الثالث : دراسة نقدية لتحليل الموضوعات التى لم تستكمل فى الجزءين الأولين مع إبراز الجوانب الفنية فى الديوان والإسلوب البيانى للشاعر"ابن هتيمل" .
قالوا أليس الحسن في كل الدُّنا ... فعلامَ لم تَمدح سواها موطنا
فأجبتهم إني أُحبُّ الأحسنا ... أبدًا وأحسن ما رأيتُ بلادي
تلك الصحبة المريرة الشاجية، في موكب الحنين، ومختارات القدامى والمحدثين، طالبتني بالوفاء لدموع المبعدين النازحين عن أوطانهم وديارهم، بعدًا، واغترابًا غير محدد الأمد، وعلى غير موعدٍ مؤكد من العود الأحمد، كاغتراب شعراء فلسطين الذين طردتهم وشردتهم إسرائيل عن بلادهم وديارهم وأهلهم، وأغلقت دونهم كل أبواب الأمل في العود إلى مساكنهم، ومراتع الصبا في بلدانهم.
فرنت في أُدُنَي قلبي أصوات حنينهم، ونشيج ضلوعهم، بما يُمزِّق النفس ويقضي على صفو الحياة:
ما يهبُّ النسيم إلا وجدنا ... طَيَّهُ زفرةً من الأوطانِ
تحمل الطلَّ للرياض وتذكي ... في الحشا لفحةً من النيرانِ
آه ويح الغريب ماذا يقاسي ... من عذاب النوى وماذا يعاني
وإن الأنكى للقلب أن تتحكم يد النَّوى في المطرود عن بلاده؛ فيبارحها بجسده، ويبقى فؤاده مقيمًا فيها، في ظل موت الأماني، والآمال بالعودة إلى بلده.
ومن أجل أولئك المحرومين من حق العودة، المغرمين بأوطانهم، ووفاءً لحبٍّ تملكني واضطرم في مهجتي؛ قمت بجمع بعض نصوص الحنين، والصلاة في محراب الوطن، من دواوين الشعراء الأقدمين، ومن مخطوطات جمة، بعضها لم تطبع بعد، ومن قصائد وحيدةٍ وفريدةٍ، معظمها من مجموعات سبقني بها السابقون الأولون، ممن كتب وجمع في هذا الغرض الشعري، وقد أشرت إلى تلك المصادر في هوامش المختارات، حفاظًا على أمانة البحث، ومراعاةً للحق العلمي لأصحاب الفضل عليّ.
وأضفت من النصوص الكثيرة التي لم يسبقني إليها سابق، وفاءً وامتثالا لحبي وحنيني.
معترفًا بأن بعض الشعراء الذين لم يعانوا حق المعاناة من الاغتراب والابتعاد الطويل، جاءت نصوصهم أضعف كثيرًا من حنين المحرومين من أوطانهم، وكما قيل: لست النائحة كالثكلى.
كما أن سعة ما بين يدي من الدواوين، والنصوص لأصدقائي المعاصرين أجبرتني على إصدار ما جمعت دون استقصاء، فبعض نصوص مهمةٍ ورائعةٍ لم تجد مكانًا في هذا الجزء، لأنها وصلتني متأخرة والكتاب بين يدي المطبعة، وبعضها عرفت عنها، ولم أتسلمها بعد، لذلك فالعزم إن مدَّ الله بتوفيق من عنده وفسحةٍ في الأجل، وبسطة في الوقت والرزق أن أصدر مجموعة أخرى في جزء قادم بإذن الله. منتقيًا من القديم السهل اللين، مع الحديث المرن، راجيًا لكل غريب أن يلقى أهله، ويعود لوطنه ويغرد:
ويا وطني لقيتك بعد يأس
كأني قد لقيتُ بك الشَّبابا
وكلُّ مسافرٍ سيعود يومًا
إذا رُزِقَ السَّلامةَ والإيابا
وإذا كان من فضلٍ نسدي شكره لأحد في هذا الكتاب، فلله وحده الذي هدى وأعان، فله الحمد ملء السماوات والأرض وملء كل شيء كما يحب ويرضى. والشكر لمن أعانني، وشجعني، وتفانى في مساعدتي، وأخص بالشكر: الأستاذة الأديبة ""مسك محمد الجنيد"" من تعز باليمن، والأديب الفاضل ""حسام محمد أنيس""، والشاعر ""محمود شحاتة"" من مصر، ولكلِّ الإخوة والأخوات في مكتبتي بمنتدى المثقف العربي بالقاهرة، وبمؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون بصنعاء.
والله أسأل أن يجعل فيما قمت به من جهد عملا نافعًا، وإضافة مفيدة لمكتبة الأدب العربي والحمد لله رب العالمين.