الخميس“ 18 أبريل 2024 - 05:30 ص - جرينتش

"الجيل" تحاور صاحب أكبر صالون أدبي بالقاهرة


الجيل العدد ( 359)- حوار: محمد عبد الشافي
30/11/2001

• الشاعر والدبلوماسي اليمني د. عبد الولي الشميري: الشعر ... المؤرخ الحقيقي لأحداث الزمن العربي
• الرواية في تراثنا قديمة.. وظهرت في المقامات وقصص الحيوان
• الحداثة جاءت لتلغي ماضينا وتسقط الجمال من حياتنا.
هذا اللقاء مع واحد من الدبلوماسيين العرب، وأحد شعراء العربية المبرزين، وقف حياته في خدمة الحياة الأدبية والثقافية، ورهن نفسه في الدفاع عن هوية الأمة الفكرية، استخدم جميع الأسلحة المتاحة ليصد الغزوات الفكرية الوافدة، ويتصدى لحرب المذاهب الغربية التي اجتاحت حاضرنا ومستقبلنا، إنه الدكتور عبد الولي الشميري ـ سفير اليمن بالقاهرة، ورئيس الوفد الدائم بالجامعة العربية ـ الذي استطاع أن يكشف لنا في هذا اللقاء عن " المؤامرة" الكبرى التي استهدفت حياتنا الأدبية والثقافية.


قلت له في البداية .. كيف تفاعل الأدب مع القضية الفلسطينية؟ ولماذا لم يجسم الأدباء عملاً إبداعياً يوازي حجم هذه الأزمة؟
إن مأساة فلسطين أنجبت شعراً يقطر دماً، وقصائد مغسولة بالدمع، وجميع الشعراء المعاصرين شاركوا فيها بما جادت به قرائحهم، وعلى رأس هؤلاء الراحل عمر بهاء الأميري، ويوسف العظم، وغيرهما من الشعراء الأصلاء الذين لم ينالوا حظهم من الشهرة والذيوع بما يكافئ حجمهم ومكانتهم وحجبت معظم أعمالهم ولم تر النور بعد، لأنها قصائد ملتهبة، تحرض الشعوب على تحرير الأرض، وتعلن الجهاد في وجه الغاصب المحتل، وتحمل عداوة شديدة لليهود وحلفائهم. وسوف يأتي ـ قريباًُ ـ ذلك اليوم الذي تعلو فيه أصوات شعرائنا الأصلاء وتعلو راية الحق في كل ميدان.
إن " باكثير" كتب عدداً وافراً من المسرحيات التي كشفت فظائع الصهيونية وجرائم اليهود، على رأس مسرحياته: " التوارة الضائعة" " شيلوك الجديد" " شعب الله المختار"، " إله بني إسرائيل:" وغيرها من روائع الأدب والفن الجميل.


ما سر تفوق " الرواية على " الشعر" في الوقت الحاضر... هل حقاً أن هذا عصر الرواية، وأن الشعر قد تخلى عن مكانته السامية التي تربع عليها حيناً من الدهر ؟
الشعر يظل هو ديوان العرب الخالد، والمؤرخ الحقيقي لأحداث الزمن، ولا يستطيع عاقل أن يجهل هذه الحقيقة، لكن الثورة الروائية التي بشر بها فريق من الناس أشبه ما تكون " بموضة الحداثة" التي أوشكت على الزوال كغيرها من الموضات التي تظهر وسرعان ما تختفي ونحن ـ جميعاً ـ نعلم أن " ضجة الرواية " صنعتها أيديولوجيات غربية، ودوافع خفية، وجوائز عالمية، تمنح لأعمال معينة، وأسماء بعينها، تنسلخ عن جسمها وهويتها، والأسماء في ذلك معروفة للجميع، ومن لم يفده التلميح لن يفيده التصريح، ومعروف أن الرواية ليست جديدة على حياتنا ولا غريبة عن ثقافتنا، فمنذ نقل ابن المقفع" كليلة ودمنة" وكتب الحريري، وبديع الزمان الهمذاني، والزمخشري، والجاحظ هذا اللون، وكان يطلق عليه " المقامات" وهي موجودة في العصر الحديث، نجد روائع النثر الجميل في القصص التي كتبها المنفلوطي والرافعي، والتي احتوت على " الأفكار وجواهر المعاني التي تخلب الألباب" وتبعث على الدهشة ... ولكن يظل هذا الفن في منزلة لا تناطح سنام الشعر أبداً" .


تعرضتم لقضية "الحداثة" .. ترى لماذا خفت صوتها، وتراجع أهلها؟
الحركة الحداثية هي فلسفة متكاملة، تشمل جميع شؤون الحياة وقد وفدت إلينا من الغرب، وسار دعاتها من الغرب يروجون لها، ويحشدون لها الطاقات ، ويبشرون بها عبر وسائل الإعلام وعقد الندوات والمؤتمرات، كأية فلسفة، أو مذهب أو نظرية جديدة، وجاءت "الحداثة" لتقتلع القديم كله، وتلغي الماضي تماماً، وتثور على المقدسات وتخرج على كل قوانين الحياة، وتلغي كل المسلمات من المصطلحات الإنسانية في الحياة، من ضمن ذلك الحداثة الأدبية التى خرجت بأفكار جديدة، منها رفض النقد مطلقاً، وإعلان الحرب على جماليات الشعر بأوزانه وقوافيه، وجندوا دعاة لهم في بلادنا، كانوا نسخاً مكررة، وصوراً مشوهة من أساتذتهم في الغرب، حاولوا أن ينفثوا سمومهم في ثقافتنا عن طريق المسخ الكريه والفوضى والجنون في ما يقولونه وما يكتبونه، وزعمهم أن المبدع الجيد هو أن يقول مالا يفهم، وأن يكتب مالا يقرأ .. لكن لم تستمر طويلاً هذه الدعاوى والمغالطات، فتهاوت دعاوى الحداثة العربية تحت ضربات الثقافة والإبداع الحقيقي، وبفضل صحوة الأجيال الجديدة المسلحة بالعلم والثقافة الأصلية " فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.


هل اللغة العربية مستهدفة حقاً ـ كما نتصور ـ أم أن هذا الشعور والقلق المخيف ـ بمثابة ـ رد فعل وتداعيات مرحلة التراجع الحضاري الذي تعيشه الأمة ؟
ـ اللغة العربية مستهدفة بالفعل من قوى داخلية وقوى خارجية، وتعاني لغتنا العربية من حركة تجهيل من أبنائها وأهلها الأقربين، كما تعاني من حركة تغريب سواء من الفرانكفونية أو الساكسونية التى تنال منها وتوجه إليهما ضربات قاتلة، وهناك الطاعنون بأسلحة الدولار الذين يفرضون سطوتهم على مرتكزات الأمة ومقوماتها، ولم تهدأ هذه الحرب الضروس منذ قرنين من الزمان، حتى أن أوطاننا العربية تقاسمها الاستعمار الثقافي، فمنها ما فشلت إنجلترا في تحقيق غرضها فيها كمصر والعراق واليمن، ومنها ما نجحت فرنسا في تحقيقه باستبدال لسانها، وإحلال لغتها الفرنسية قسراً محل العربية كما في بلدان المغرب العربي.
وهناك سلاح العاميات واللهجات الدارجة التى استخدمها الاستعمار، وروج لها، ليحلها محل العربية الفصحى، حتى تتعدد اللهجات والرطانات، وتتقطع أواصر الأمة ... وكل هذا وذاك محاولات لئيمة وجائرة للقضاء على اللغة العربية الفصحى التى هي من أهم مقومات الوحدة والتضامن العربي، والتواصل الروحي والوجداني بين أفراد الأمة.
إننا في أشد الحاجة ـ في هذا الوقت بالذات ـ للدفاع عن لغتنا وهويتنا وثقافتنا التي هي رمز وجودنا الحضاري خاصة أن لغتنا العربية ليست مجرد لغة تخاطب، بل هي لغة عبادة وتشريع، ولسان التنزيل الحكيم، ومن يتهاون في جزء منها، فإنما هو يتهاون في عقيدته ودينه ورسالة ربه، ونحن ندعوا أولي الأمر والمسؤولين أن ينتبهوا لهذه القضية الحساسة، وليعلموا أن اللغة هي التى يمكن أن تحفظ للأجيال القادمة هويتهم الفكرية وتراثهم الحضاري والأدبي والعلمي.


إن المتتبع لمسيرة أدب المرأة في مختلف العصور، يلاحظ من أول وهلة ندرة إنتاجها الثقافي، إذا قورنت بما قدمه الرجل في هذا الميدان . فبماذا تفسرون هذه الظاهرة؟
هذا يرجع إلى الطبيعة الفسيولوجية للرجل التى أتاحت له فرصة الخروج والاحتكاك والمغامرة والمخاطرة وكثرة الاطلاع التى لم تتح للمرأة ...أيضاً لوحظ أن وجدان الرجل متميز عن وجدان المرأة ...ولعل هذا التميز الخَلقْي أو الفسيولوجي في هذا الكائن الذكري أتاح له أن يكون رائداً أو قائداً لأي جنس آخر سواء في البشر أو في الكائنات الأخرى أيضاً.
لذا نجد أن المولى سبحانه وتعالى ـ جعل القوامة للرجل على المرأة ، ولم يأت هذا التفويض الرباني عبثاً، وإنما جاء لحكمة جليلة القدر أوجدت في الرجل القدرة على القيادة والتمحيص والمثابرة، وقد يشذ من جنس الرجل عدد لا تنطبق عليهم القاعدة.
لكن المرأة ـ بالطبع ـ خلقت لرسالة أخرى، جليلة القدر، عظيمة الشأن، لا تتأتى للرجل أبداً، وهي التميز العاطفي والرقة والحنان.. إنها وردة لا تحب الذبول أو الجفاف، أو حر الهواجر، مهمتها في الحياة تختلف عن مهمة الرجل، وبالتالي فإن حظها في صراع الوجود هو صراع يتناسب مع فسيولوجيتها، ومن ثم فقد جاء إبداع المرأة دون مستوى إبداع الرجل، وحظها دون حظه في ميدان الثقافة والآداب.
الحقيقة أن " عالم الرجل" هو الصحراء والليل والحروب وخوض المخاطر ومواجهة الشدائد وصناعة القرار وتدبير الأمور وتحمل الكوارث وغيرها من المخاطر والصعاب. بينما " عالم المرأة" هو عالم الظل الوارف. والحنان الدائم، والأمومة الحانية ... إلخ ومن يتجاهل هذه الفوارق، وتلك القسمات، فإنه بدوره سوف يتجاهل الحكمة أو السر في ندرة أو قلة نتاج المرأة الفكري والثقافي وتأخره كما وكيفاً عما قدمه الرجل في هذا الميدان الفسيح .


باعتبارك صاحب أهم وأشهر صالون ثقافي وأدبي في القاهرة ـ في الوقت الحالي ـ تري ... هل نحن في حاجة إلى الأدب والفن في عصر التكنولوجيا والمكتشفات الحديثة ؟ ثم ما مستقبل الأدب في عصر المخترعات والفيضان الإعلامي الهادر ؟
بلاد التكنولوجيا ذاتها وموطن المكتشفات أو المخترعات الحديثة ـ في أوروبا وأمريكا ـ تكتظ المكتبات ودور النشر بروائع الأدب والقصص ودواوين الشعر والأعمال الروائية وسائر صنوف المعرفة الإنسانية، وهي تدفع إلى مزيد من الإبداع ومواصلة مسيرة الحياة وإعمار الكون.
إن التكنولوجيا لا تصلح أبداً إذا لم يصاحبها الأدب والفنون وتاريخ الثقافة والعلم، فهي التى تبشر بإرهاصات العلماء والمفكرين، وتترجم أعمالهم ونتائجهم إلى أعمال فنية ودرامية، وتربط الجديد بتجارب الماضي القديم.
قد يظن البعض أن الغرب عاكف ـ فقط ـ على التكنولوجيا وحدها، لكن الحقيقة أن 90% منهم يهتمون بالدراسات الإنسانية وما حولها من ألوان المعرفة.
وفي رأيي أن هذا الأمر مرجعه إلى قضية حضارية مؤدها أن الأمة أو المجتمع حينما يحل به المسخ تظهر عليه أعراض التخلف والمرض في جوانبه علمياً وأدبياً واقتصادياً وعسكرياً، وأخلاقياً. وفي المقابل عندما تدب فيه روح الحياة وتعود إليه عافيته تشمله من رأسه إلى رجليه، وفي سائر شؤونه وأحواله، والشواهد على ذلك تفوق الحصر، سواء في تاريخنا نحن أو في تاريخ الأمم والحضارات الأخرى .