الفجر - حوار: انشراح سعدي - 9 يوليو 2002
• عن قضية تكفير الإبداع في الوطن العربي وحركة الترجمة من العربية إلى العبرية في إسرائيل في ظل فشل الإعلام العربي الذي لم يصل بعد إلى درجة الوعي بضرورة نقل واقع القضية الفلسطينية إلى عقر دار الغرب وبلغات شعوبه، وعن مواضيع ثقافة أخرى .
• أصدر مؤخرا روائي يمني عملا روائيا وكفر فيه الإبداع،ما رأيك كمبدع ومثقف عربي مسلم من تكفير الإبداع؟
أظنك تقصدين الأستاذ وجدي الأهدل. الحكاية كالآتي، عملية تكفير أي كاتب أو أي مبدع أو أي خطيب، قضية لا علاقة لها بالأدب ولا بالإبداع، فالمعروف أنه من أنكر معلوما من الدين بالضرورة يصدر عليه هذا الحكم من محكمة شرعية وليس من أي شخص، ومن أنكر معلوما بالضرورة ليس بالضرورة في رواية ولا في قصيدة ممكن أن يحصل ذلك على مأدبة غذاء أو وهو يحتسي الشاي أو في خط تليفوني ويستوي في ذلك المبدع والسياسي والخطيب والواعظ والكاتب والروائي، فلماذا تطلقها على المبدعين؟ فقضية التكفير لا ترتبط بسبب رواية ولا بسبب قصة ولا حدث، ولكنه بسبب كلمة معينة في تضاعيف الرواية، وهذه الكلمة لو لم تكن في رواية أو في إبداع أو في أدب قد تكون كلمة عابرة في مأدبة غذاء، وبالتالي فإنها تخرج من الملة، ولكن ليس بقول الناس، ولكن بحكم المحكمة فيجب أن ترفع الدعوى وإذا أثبت عليه المدعون أنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة، بالتالي تثبت عليه الردة ويستتاب، وليس معناها ردة يسفك فيها دمه، فإذا وجد الإنسان نفسه في مأزق وتاب يتوب الله عليه، وفي نفس الوقت يخرج من محنة الإدعاء ولا عقوبة عليه، والمهم ألا يحاول أن يثير بلبلات في الأوساط كما لو أنه على حق وكأن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة قضية مشروعة، فهذا أرفضه تماما، لكني لا أوجه حديثي بسبب شخص أو قصة أو رواية ، فالرواية في حد ذاتها كحدث بريئة لكن الألفاظ التي تنكر معلوما من الدين هي التي نجرمها، في الحقيقة أنا لم أقرا هذه القصة ولم أحاول أن أتعرض لها وأسمع رغما عن أنفي كلمات تتسرب إلى مسامعي وأنا أرفض إدخالها إليها، لأنني أري القضية أكبر من هذا بكثير. أرى أن الواجب على الأمة الإسلامية والمبدعين وغيرهم أن يتجهوا اتجاها سليما، أن يتجهوا نحو العلو نحو السمو نحو الرفعة نحو المجد نحو بناء صرح جديد للأمة العربية والإسلامية على أسس سليمة لا تفرق ولا تستعلي، هذه المرحلة تتطلب أن يستوي في ذلك الأبيض والأسود والطويل والقصير والشرقي والغربي، يجب أن يجتمع الجميع على إعادة بناء صرح وقع على الأرض صرح الأمة ويجب أن نلفت المبدعين إلى أهمية هذا الدور وألا ينصرفوا عن القضية، فهناك بعض الكتاب للأسف الشديد يريد الواحد منهم أن يلفت نظر الناس إليه ويريد أن يذكر اسمه في كل مكان حتى ولو كما أشيع عن ذكر إبليس في سور القرآن وفي كل المجالس والبيوت لكن هل معنى هذا الذكر أنه يقوم على أساس حب أو مودة أو شرف أم إهانة أم غضب أم رعب أم كره ؟ فليس الغرض أن يذكر في كل محفل، ولكن أن يذكر بماذا بخير أم بشر؟ بحب أم ببغضاء؟ بلعنة أم بشكر ؟ فبعض الكتاب يحب أن يذكر اسمه تحت أي صفة فالمهم أن يذكر اسمه ويشاع. وقرأت عناوين تقول إن هذه الرواية لا تستحق أن تقرأ وأنه ليس فيها إبداع وأنها هرطقة وممن يقول هذا وزير الثقافة ومئات من الأدباء في اليمن يقولون إنها لا رواية ولا قصة ولا فيها ما يستحق سوى أنها كلام محشو ساق فيه فلتات من هذه النوعية المثمرة فهي ليست رواية ولا ترقى إلى أن تسمى رواية.
• حركة الترجمة من العربية إلى العبرية كبيرة ومتطورة في إسرائيل وهي بالموازاة عندنا ميتة ألا ترى أننا أولى بترجمة ما يكتب عندهم؟
سيدتي اسمحي لي أن أقول لك إننا أمة سكارى وما هم بسكارى نعيش ظروفا غوغائية وظاهرة صوتية كما قال الكاتب السعودي، لكن إسرائيل تقوم على أساس دولة، على أساس خطط ومراحل على هدف معين يحكم هذه الخطط وهذه المراحل والتقويم، إسرائيل اليوم فتحت قناة باللغة العربية تخاطب العربي في كل مكان وتجمل وجه إسرائيل وأفعالها الشنعاء بالعرب والمسلمين في أرض فلسطين ويستعد الشارع العربي في كل بيت أن يلتقط هذه القناة ليسمع وجهات نظر الآخر ونحن عندنا تسعون قناة عربية ملأت الأثير ذبذبات وهي هرطقات فارغة وكلام هرائي لا هدف له ولا خطة ولا أي شيء، ثلاث مائة مليون عجزت أن تترجم وتصدر قناة موجهة عبريا من التسعين الرسمية، أما الأهلية والتجارية فهي مثلها ، فالرسمية أن توجه منها قناة بالعبرية يوجه بثها داخل إسرائيل وقناة بالإنجليزية إلى المجتمع الإنجليزي وقناة بالفرنسية إلى المجتمع الفرنسي وقناة بالإسبانية فهذه الأربع القنوات أو الخمس أعتقد أنها ستجعل الشارع الأمريكي والأوروبي والأفريقي والعربي بشكل عام ومعظم الآسيوي يفهم ما معنى الصراع العربي الإسرائيلي؟ ما معنى الدماء التي تسيل كل يوم في فلسطين؟ ما معنى الظلم الذي يشكوه العرب؟ لكن للأسف كل قطر عربي يشكل باقة من القنوات شغلها الأساسي وهدفها الأول والأخير تسويق منتجات صناعية وشخصيات تبقي جاثمة على عرشه لتحكمه فهو يسوقها كما يسوق علب السجائر والمعلبات، فترى الزعيم السيد فلان تظل تذكر هذه الأسماء التي لا يرغبون حتى في سماعها ويئسوا وملوا، ولقد مضى عليهم عقود من الزمن يسمعون في هذه القنوات أين أكلت؟ من استقبلت؟ من ودعت؟ وجملة من الأفعال المتكررة هنأ، ودع، عزى، استقبل، ودّع، أكل، شرب، اغتسل، رحل، ركب، نزل، رقد، قام، فالأمة العربية كلها كأن همها معرفة أين أكل هذا الشخص وأين قام وأين جلس وأين زار وإلى من بعث رقية ومن بعث له بواحدة مماثلة، ما سمعنا في المجتمع الذي وصل إلى أوج الحضارة والمجد أن الرئيس الأمريكي في " السى آي إن" أنه بعث برقية إلى فلان أو استقبلها منه أو سمعنا أنه قص شريطا لمدرسة أو لفصل دارسي أو تركيب باب أو تعليق الشماعة في غرفة أو وضع حجر الأساس، والقضية نحن في متاهات قديمة وعتيقة وأسلوبية تافهة وبأسلوبية عتيقة وأسلوبية تافهة فهذه القنوات العربية والميزانية العربية المخصصة للإعلام موجهة لتلميع وتجديد وجه الحاكم للشعب وليس للدفاع عن قضايا الأمة وعرض قضاياها فكل يوم وزراء الإعلام يجتمعون ويصدرون البيانات، وكل يوم يحددون لقاءات، غرف وأجنحة في الفنادق، طائرات خاصة، مأدبات بيانات، صحف، فرق تليفزيونية، كاميرات، أضواء، صحافة، إعلام، مؤتمرات صحفية كلها لا توجد أصلا في الواقع العملي شيئا نهائيا، وإسرائيل بدون أي مؤتمر وبدون أي لقاء تفتح قناة ناطقة بالعربية تبث إلى المجتمع العربي لتشوه موقف المسلمين والعرب في التعامل مع اليهود في فلسطين ولتستدر وتستجدي ولاء إسرائيل، أمريكا بطائراتها وحاملات طائراتها وبأسلحة الدمار الشامل تحصد في المسلمين في كل جنب وتفتح إذاعات صوتية في عواصم عربية تخاطب الشارع العربي، تخاطب الشارع في السيارة وفي الراديو باللغة العربية يحسن وجهها ويقول إن هذا الذبح هو عبارة عن عملية جراحية لاستئصال جرثوم داخل جسمك ونحن أصدقاؤك والإعلام العربي مع الأسف الشديد ومع احترامي الشديد له مازال يسير في متاهات فارغة ويفكر بعقليات تافهة وبأسلوبية عتيقة لا يمكن أن تخرج أمتنا من أزمتها، هناك قنوات عربية أنا أشيد بها وأشكرها تجيد تحريضنا وتعبئتنا وتبصرنا بمواقف وتحليلات، ولكن باللغة العربية فهي تعمل في الداخل فقط، ومخاطبة الغير لا توجد، كما يقال أحد يرقص داخل غرفة مظلمة لا يراه أحد ولا يدري من هو ومجتمعنا العربي هذا هو حاله.
• عندنا في الوطن العربي نجد المثقف ضد السلطة والمثقف الخادم لها ولا وجود للمثقف الذي يسعى لخدمة المجتمع بتفان من خلال رأيه غير المنحاز لطرف لماذا؟
في الحقيقة الجزيرة هذه لا توجد المثقف الذي يتمسح بأعتاب السلطة ويلمع " أحذية" الحكام بثقافته هو مثقف عدائي حتى النخاع، يحمل عداءً شديداً للسلطة ونحن لو بحثنا عن السبب فهو الأطماع، فالذي يتمسح للسلطة ويجعل من نفسه فرشاة لتلميع أحذية السلطة بثقافته إنما يأخذ مقابل هذا حفنة من المال، أو شيئا من الجاه الوقتي، وينتهي هو وما صنع ومن أعطى ومن منع. أما ذلك الغاضب الساخط فقد رأينا كثيراً منهم ساخطين وغاضبين يدعون الوطنية، لأنه لم تتح لهم فرصة الابتزاز، لم يجدوا من يمد إليهم يده بالعطاء ويمنحهم كما منح ومد لغيرهم فيقف باسم الثقافة معارضا جدا للحكومة وللسلطة معارضا بدافع الحرمان وربما ليلفت النظر إليه لكي يكرموه وإذا لم يكرم يستمر في طريقه وكأن الثقافة أملت عليه هذا وهي بريئة منه، والنقطة الوسط هي أن يكون الإنسان مع السلطة مائة في المائة عندما تكون محقة ، وأكون ضدها مائة في المائة عندما تكون مبطلة، وهذه هي الثقافة الوسطية، فاليوم أنا مع السلطة وأبرز موقفها ليس من وجهة نظر مادية بحتة أو طمع ولكن من خلال قناعاتي، وغدا أنا ضدها مائة بالمائة وأبرز موقفي على أسس علمية، وإن أغدقت على أموال الخزينة العامة أو أعلى مناصبها فأنا أقول لها أنت على خطأ، هذا هو المثقف الوسط وهذا الذي نبحث عنه، وهذا للأسف الشديد هو المحارب المنبوذ الغائب الذي لا يعد صديقا لا لهؤلاء أو لهؤلاء فهو إذا وقف مع السلطة أثناء حقها غضب عليه النقيض الذي هو ضد السلطة وإذا وقف ضدها في موقف هي مبطلة فيه وقفت ضده السلطة ومن والاها، وبالتالي فهو المثقف الوسطى الذي يوجد في المجتمع لكنها قلة وهذا يتطلب شجاعة وقوة.
• كنت جنرالا سابقا وأنت من الحاصلين على دكتوراه في الأدب العربي وشاعر، فأنت تشكل ثنائية تضاد عظيمة، ما رأيك ؟
هو حقا غريب جدا، أنا مجال دراستي أدب عربي إذ كانت هوايتي ومواهبي منذ الطفولة، وكنت أعمل في الجيش مهنة ألجاتني إليها ضرورة الحياة وبدايات الطفولة وإقناع الأهل وحاجة البلاد، فالمهنة غير الهوية فكم رأيت شاعرا وهو طبيب وكم من مهندس تحول إلى رسام " ديكورست" فكانت ميولي وهواياتي الأدب والكلمة والقلم والمهنة في المجال العسكري حتى وصلت إلى رتبة العميد وانتقلت إلى السلك السياسي وعملت محافظا لمحافظة مأرب في الجمهورية اليمنية وقبلها كنت في مرحلة مؤقتة عضوا في مجلس النواب بالبرلمان بانتخابات شعبية وتدرجت فيما بعد وأصبحت سفيرا واعتزلت الجوانب السابقة ما عدا الشعر والأدب ومهنة الكلمة فلقد رافقتني في مجالي الدبلوماسي الذي أنا أعمل فيه كسفير بالجمهورية اليمنية .
• أنت ممن يكتبون القصيدة العمودية وفي الضفة الأخرى هناك من يكتب نصا نثريا ويود أن ينسبه للشعر، ما رأيك؟
أنا أكتب القصيدة العمودية ذات البحر المعروف من البحور الخليلية وأكتب قصيدة التفعيلة التي تسمى الشعر الحر، والقصيدة الحداثية أسميها نثرا والنثر يمكن أن يكون جيدا أو رديئا هذا ما قاله الأستاذ الناقد المصري الكبير فاروق شوشة من لسانه إلى ،وقال لا نسميه نثرا وإن كان جميلاً، فهو النثر الجميل ولكن لا نسميه شعرا حداثياً، فالشعر له ضوابط وله قيود ولا يترك الأمر على عواهنه، وإلا فكل شخص بإمكانه أن يقول أنا أتكلم شعرا، فالشعر له موسيقى وجرس وأقل شيء له تفعيلة ومعنى، فأنا عندما أجد كلاما لا وزن ولا موسيقى ولا تفعيلة أقول هذا هو الشعر الحديث.
• هل يمكن أن تتأسس له مدرسة في المستقبل وقد مر ما يقرب من 50 عاما على ظهوره؟
بالشكل الحالي لا أعتقد. إن كل محاولات بناء مدرسة لهذا النوع من النثر وإلحاقه بقافلة الشعر قد انهارت وانهزمت وهزمت لأنها أصلا ولدت بأحضان زمنية كانت مواكبة للثورة البلشفية في الشرق والبلاشفة في الغرب، ونشأت هذه المدرسة حتى في الغرب في أحضان الفكر البلشفي الاشتراكي حيث يوجد بديل عن الفكر التقليدي سواء في نظام الحياة، أو في الاقتصاد أو في الأدب والشعر فحاولوا أن يذهبوا للبحث عن طرق جديدة لانقلاب شامل في الحياة من ضمنها في الشعر العمودي، النثري، التفعيلة فأتوا بهذا ولكنه خلق مشوها فأصبح كما قال الشاعر:
غراب تعلم مشي القطا فلما تعلم هذا وذاك *** *** وقد كان يحسن مشي الحجل
فلا ذا تَّأتى ولا ذا حصل
• فلم يعد هذا الأمر شعرا ولم يعد نثرا جميلا، ويوجد في الحقيقة من النثر الجميل وأنا في هذا اتفق مع الشاعر والناقد فاروق شوشة على أساس أنه يعتبر نثرا جميلا.
أذكر لنا مقطوعات مما تكتب ؟
مرة أشكو إليهم ومرة أشكو منهم، يدفعه الحب وأريد أن أقول أني زرت الجزائر في ذكرى ربع قرن على رحيل الشاعر مفدي زكريا فأغدقوا علينا من خيرهم وكرمهم واستقبالهم ولطافة طباعهم وأحسست أنهم غزوني فلم أكتب شعرا لأنني كنت ضيفا حاضرا فوجدت نفسي على المنصة أقول:
ألا ليت قومي يعلمون وإخوتي ... لجاءت هنا صنعاء للطعن والضربِ
سأشكو لأحبابي وفي مصر دولة ... سأشكو إليها بالجزائر والصحبِ
لقد أوسعونا مطعماً ومشارباً ... وزادوا على تلك المودة والقربِ
ولكنهم يا سوء ما صنعوا بنا ... وخانوا أمانات الضيافة والصحبِ
وزادوا على تلك الجريمة زلة ... لقد سرفوا ـ والله ـ في غفلة قلبيِ
• ومن القصيدة التي سلمت على اللوحة لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
بروق الشوق أم وهج المشاعر ... يلوح على جبينك بالبشائر
تقول وقد بكت جزعا غيورٌ ... وأدمعها مجردة خناجر
أراك مولها جذلاً مُعنَّى ... ودمع العين في الخدين ظاهر
أتعشق؟ من سواي سبتك حبا؟ ... فإني لست أقبل بالضرائر
فحط الرَّحْلَ لا سفرا قريباً ... وأقسم لا أراك لها مسافر
عرفت الحب في عينيك يلهو ... لأنك شاعر والحب شاعر
وإلا قلت من هي واعترف لي ... فإن القلب للمحبوب غافر
أجبت نعم أحب وذا اعترافي ... وفاتنتي لها فتكات ساحر
تفانى العاشقون على هواها ... وساقوا مهرها مليون ثائر
وأهلوها الأشاوس كرموها ... لتغدو اليوم سيدة الحرائر
فقالت ها عرفت هواك حقا ... فأنت إذن حبيبتك الجزائر