الثلاثاء“ 23 أبريل 2024 - 03:10 م - جرينتش

الملتقى الثاني والاربعون


افتتاحيات منتدى المثقف العربي 

عدد 42 - صدر بتاريخ (2005)

 

كلمة راعي المنتدى د. عبد الولي الشميري 

عندما خلق الله الناس على ألوان متعددةٍ، وأصوات مختلفة، وأرزاق متباينة، ليس ذلك إلا دليلا على إرادة الله لخلقه أن يتعايشوا على وجه الأرض في عالم الشهادة في تعددات كثيرةٍ من العقول غير المتساوية، ودرجات الحظ من العلم المتفاوتة، وقناعات مذهبيةٍ متعددةٍ، وديانات عقديةٍ متنوعة. 

فليس ذلك التعدد كلُّه دليلٌ على تمزق، ومجانبة للصواب، ولكنه دليلٌ على أن التعدُّد، والتنوعَ، والتمايُزَ إرادة ربانيةٌ، وسنة كونية، تهدف إلى أن لا يكون الناس والعوالم صورًا متطابقة متماثلة مكررةً في كل شيء، وكذلك جعلناكم شعوبًا، وقبائل لتعَارفوا، وكلمة التعارف هنا تحمل معاني واسعةَ الدلالات. 

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتب وثيقة تنظيم المجتمع متعدد الديانات، والأعراق، في المدينة المنورة بغية إقامة مبادئ وقيم يتعايش في ظلها الناس كافة، كان ذلك قبل بناء السوق الاقتصادية، والمسجد النبوي الشريف للعبادة الروحية. ومساحة الفكر الإسلامي واسعة في نظرته وتعامله، وتعاونه مع الآخر، فالفكر الذي تولَّدتْ وتوالدت داخل داره مذاهبُ، وعقائد، وملل، ونحل عديدة، لجدير بالتأمل في عصرٍ أصبحت التعددية فيه صِمَامَ أمانٍ وسمةَ تحضُّرٍ وتحرر، وإن عدها ضَيِّقُوا الأفق بأنها تمزُّق وعداواتٌ لكنَّ الصواب، هي دليلٌ على سعة الفكر، وسعة النص، واتساع مساحة الحرية، ومن هنا جاء الاتساع العالمي للإسلام، فتعدد المذاهب وكثرة المجتهدين، والاختلاف في مدارك النصوص عدها علماء المسلمين من الرحمة. 

والسلام العالمي مقصدٌ رباني في كل الرسالات السماوية، والديانات المقدسة، وأعراف الأمم الواعية، ولو لم يكن لها دين ولا كتاب وتنظيم شئون المجتمع الروحية، والاجتماعية، والأخلاقية، والثقافية كانت من أهم ما تعايشت عليها طوائف الأمم، وقامت من أجلها علاقات المحبَّة، وأواصر المصاهرة، وعقود المشاركات، بل وإقامة الحُكم المشترك بوزارات متعددة الديانات والعقائد، وبالتالي فللإسلام مع الآخر - ونقصد بالآخر غير المسلمين كائنًا من كان - تجارب عملية من المدينة، إلى دمشق، إلى بغداد، إلى القاهرة، إلى الأندلس، إلى الهند، إلى أصفهان، إلى استانبول، وإلى جاكرتا، إذا أنها كانت عواصمٌ تمازجت فيها وتعددت كل الطوائف والديانات والوزارات المختلطة والمشتركة في القضايا الدولية والاجتماعية. 

واليوم نرى ونسمع دعاةً ودعواتٍ على مغايرة لذلك التعايش، ولتلك القيم، وتفككت مفاهيم الأجيال، وشحنت الصدور بعداوات باسم الإسلام، والإسلام منها براء، وباسم الحضارة الإسلامية، والحضارة أبرأ، وبدأت الأمم التي لا تملك شيئًا من قيم الحضارات سوى المدنية الحديثة الفارهة، والأموال الزاخرة، والقدرة على التدمير والإفناء تتحدث عن الإسلام – الدين – بما لا تعلم عنه شيئًا، بل تحاول قراءته من خلال أفعالٍ لا علاقة لها به، أو ردود أفعال بعثتها أحاسيس الشعور بالظلم، والفقر، والخوف، وفقدان العدالة. 

هذه الحالة المتصادمةُ مع قيم الإسلام والديانات السماوية بعثت عددًا من الأسئلة والحوارات التي نتطلع إلى وقت مفيد وممتع في رحاب منتدى المثقف العربي في ملتقاه الثاني والأربعين مع السادة الأعلام: 

- فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. 

- فضيلة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ مدير دار المصطفى بهجرة تريم – حضرموت – اليمن. 

- الباحث المتخصص المنصف الأستاذ الدكتور نبيل لوقا بباوي. 

- ويرأس الملتقى معالي السيد الوزير (حمود عباد) وزير الأوقاف والإرشاد بالجمهورية اليمنية. 

فبهم أرحب ولهم الفضل في تلبية الدعوة، كما أرحبُ بكم جميعًا في رحاب هذه القاعة العائمة، وأشكر السادة العلماء الأجلاء أصحاب الفضيلة، والأساتذة رؤساء الجامعات الذين شرفوا المنتدى، والمفكرين الأفذاذ، وأعضاء مجلس الشورى، والنواب من مصر، واليمن، والسعودية. 

كما لا يفوتني الشكر لإخواني السادة سفراء الدول العربية، وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي، والإسلامي، وأخصُّ جمهورية البوسنة والهرسك، وإيران، وباكستان، ولمصر منطلق كل عملٍ عظيم أرضًا وإنسانًا. 

للحاضرين جميعًا الشكر والفضل. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور عبد الولي الشميري